سعد الدين إبراهيم

ود الشواطين والوزير الجديد


كعادته حاول ود الشواطين أن يحتال على الفنان التشكيلي “الرشيد قطبي” فمدحه بما ليس فيه عله يدخل يده في جيبه لكنه لم يفعل.. لابد أن أخرج منه بحفنة جنيهات هذا الجلدة.. أخذ يفكر في حيلة.. هنا دخل مكتب الفنان ضيوف تلوح أهميتهم من بدلهم الراقية.. فخرج ود الشواطين مدعياً أنه يتحدث في هاتفه المحمول.. ثم دخل عليهم متهللاً: البشارة ياكوتش.. سأل “الرشيد” في فتور بشارة شنو؟ قال مبروك جايبنك وزير في التشكيلة الجديدة.. هسه كنت بتكلم مع واحد في القصر.. قال لي: جايبين “قطبي” وزير ثقافة.. وأضاف متصنعاً الفرح فاروق حسني براهو يعني.. يا سلام أهو السودان بقى فيهو فنان وزير إيدك على البشارة.. قال الرجل: ياخي بتكون إشاعة ساكت.. قال في ثقة: ياخي إنت ماعارف البلد دي أي إشاعة فيها بتضرب! قال: وهو يتلمظ الحلم القديم الذي تجدد.. لكين بدون مايخطروني.. قال أحد الضيوف: يخطروك ليه.. ماعارفنك مابترفض؟
قال ود الشواطين: نفسك من زمان في الوزارة صاح.. حاول أن يقول شيئاً.. قال له: داير تاكلني في البشارة.. قال: بشارتك بعدين لمن الكلام ده يحصل.. قال: طيب جيب العربون.. أعطاه مائة جنيه.. قال: أنت جلدة كده مالك مائة جنيه بس.. في خبر زى ده جيب تاني هنا أدخل كل من الضيوف الثلاثة يده في جيبه وكل (عصر) لي ود الشواطين حاجة.. خرج ود الشواطين مزهواً بالغنيمة.. ولم يستطع الصبر دخل الحمام وعد الوريقات بلغت خمسمائة جنيه بالتمام والكمال.. استأذن وذهب.
بدأ الضيوف في تقديم الطلبات.. تعرف لما تبقى وزير لازم تشوف لي موضوع البعثة بتاعتي.. قال الثاني: وأنا لازم تعمل لي دفرة أبقى عميد الكلية.. أما الثالث فقد لزم الصمت لأن ما يريده لابد أن يطلبه منه على انفراد لما يكونوا قاعدين راس.. أخذوا يحلمون بوضع جديد بعد أن يصبح صديقهم وزيراً أما الوزير المحتمل فقد أخد لي سرحة طويلة وكاد أن يزعط شنبه ذا الشعيرات الخفيفة.. قال أحدهم: أوعه بعدين تعمل لينا مهم.. ومانقدر نقابلك قال في ثقة: لا أنا بابي حيكون مفتوح..
خرج ود الشواطين يوزع الخبر.. وكأنه صدقه هو ذاته.. لكنه قال: لغاية ما التعديل يحصل أنا بكون لقيت لي جنينة كل يوم ألقى لي عصره من الوهم ده.. عشان كده لازم أنشر الخبر عشان الوهم ده يصدق.. وأصبح يحدث كل من يقابله “الرشيد قطبي” ح يعملوه وزير ثقافة.. لفح محرر باب الأسرار الخبر ونشره في عدد الغد من الصحيفة تحت عنوان الفنان وزيراً.. ووصف الفنان بطريقة (بضبحوا في العيد وبقول باع).. وعم الخبر الأرجاء وبدأت التبريكات مقدماً.. وهمس بالخبر للسيدة زوجته أنه سيكون وزيراً وأضاف: بس ماتكلمي أي زول إمكن تكون إشاعة قالت له زوجته: بري.. سرك في بير.. لكنها براحة انسحبت وأجرت حديثاً مع صديقاتها عبر الهاتف وبثت الخبر لهن مع إضافة عبارة: بس الموضوع ده سِر ماتكلمي زول.. ولكن كل واحدة التزمت بأنها ماح تكلم زول بس صاحباتا شديد.. وانتشر الخبر وفَصَّل “الرشيد قطبي” سبع بدلات جديدة.. وسبع جلاليب من أرقى الأنواع ولم ينس العباءات.. والشالات المستوردة.. وكم مركوب فاشري كدي.. ودستة من الأحذية الإيطالية.
كل يوم ود الشواطين يزور الفنان “قطبي”.. ويخرج منه بعربون.. عندما يتردد يقول له: الناس كلهم بتكلموا الحكاية جد.. أنكت أدينا.. ويحمل غنيمته ويمضي متمنياً أن يتأخر إعلان الحكومة الجديدة.. أو تضرب الصدفة ويعين الرجل وزيراً بالجد.. لكنه يعود ويستبعد ذلك ويقول معقول زي ده يبقى وزير!.. مرت الأيام ثقيلة على الفنان وناوشته الأحلام في اليقظة والمنام.. عشية إعلان الحكومة الجديدة.. سهروا جميعاً حتى الصباح.. ولما ذهب ود الشواطين يراقب من بعيد بعيد الحاصل شنو للوزير الجديد.. وجد حُزناً مخيماً على المكان: سأل السكرتيرة وين الأستاذ قالت وهي تغالب دموعها.. الأستاذ في مستشفى ساهرون جاتو صدمة سكري.. عشان ما سمع اسمو في التشكيلة.