تحقيقات وتقارير

قوش .. الإغتسال في ملاعب الكرة


قوش… لقب ملأ الدنيا وشغل الناس طوال سنوات ماضية- وربما- قادمة حملت الأنباء على جبهات الرياضة توقعات بتربع الفريق أول صلاح قوش على كرسي رئاسة نادي المريخ خلفا لجمال الوالي.. الخبر- في حد ذاته- معلومة عادية لا تثير تساؤلا ولا شجونا أو استفهامات لولا اتصالها برجل- كما قلنا- ملأ الدنيا وشغل الناس وخطى خطوات تعويضية عديدة بعد وصوله أقصى ارتفاع في مسافات الشهرة والمجد وهبوطه المفاجئ لدرجة دخوله غياهب السجون وتعرفه على برودة أرضيات وحيطان المعتقلات.
ولا شك أن ارتباط قوش بمؤسسات العمل التنظيمي الخاص قبيل وصول الإسلاميين إلى مرحلة الدولة وما تلى ذلك من مراحل وخطوات كبيرة قطعها حتى صار رئيسا لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني في البلاد أسهم بشكل حاسم في صناعة الصورة الذهنية في أذهان المواطنين على كافة اتجاهاتهم السياسية حتى أصبح مثل أسطورة تأريخية ينسب الناس إليها كل غريب وكل خارق وكل تعامل تم بصورة من الصور تجاه الأحزاب المعارضة والمعارضين لئلا يناولون نيلة من النظام الحاكم عبر مختلف الأنشطة المشروعة وغير المشروعة حسب محاذير المؤسسة التي كان قوش يديرها بشكل قوي وحاسم ساعدته في ذلك التساهيل اللوجستية والمادية التي جعلت مؤسسته تكبر في مهامها وفي حجم ملفاتها والأثر الذي تركته وحفرته في مختلف وجوه الحياة العامة في السودان- وبالطبع- كان قوش من باب رئاسته لهذا الأمر في بؤرة الضوء ودائرته على الدوام.
أعلى القمة
سنوات عديدة مضت بقوش ومؤسسته تعددت فيها الابتكارات والأدوار وصعد قوش إلى قمة أعالي الشهرة والمجد حتى كاد أن يزاحم من هم على القمة الضيقة التي لا تتسع له إلا إذا حدثت إزاحة لمن هو موجود فيها، وهذا التبرير المنطقي لهبوطه المدوي من القمة بشكل سريع ومفاجئ وغير متوقع لمن هو معه أو ضده على الإطلاق هبوطا وقف حده في مستوى منخفض نعم لكنه معقول عندما صار رئيسا للاستشارية الأمنية التي بدأ عبرها سلسلة من العمليات التجميلية التي أراد بها (نيولوك) جديدا يلحظ المتتبع لها أنها محاولة غسيل لسيرة ذاتية لا تصلح إلا في أجواء لم يعد قوش باستطاعته التحليق في أعاليها فكان خياره الجديد في محاولة أن يكون متواضعا قريبا من الناس يعمر مدارسهم ويدعم نواديهم ويتحدث في أزماتهم في البرلمان ويمارس التجارة ويمشي في الأسواق.
الهبوط من مستشارية الأمن
قوش بعد تنحيته من رئاسة الجهاز تم تحويله إلى مستشارية الأمن، وبدأ فيها قربه النسبي من صناع القرار، وأن إبعاده لم يأخذ الشكل النهائي حتى تفاعلت رؤى الحوار الوطني وتصريح رفيقه حسب الله بأن الأحزاب إذا رفضت الشريعة سيتم تنفيذ رغبتها لتثور ثائرة قطاع مؤثر وأصولي داخل الإنقاذ ويتم إبعاد حسب الله رغم محاولات التوضيح والتفسير، ثم بعدها يصدر قرار بحل المستشارية بشكل نهائي بعد أن راجت اتهامات بأنها كانت مؤسسة لإعادة تسويق قوش وتصويره بالشكل الليبرالي الجديد المنحاز إلى رغبات الأحزاب والحريص على توفير المساحات التي تضمن تنفيذ تطلعاتها وأحلامها.
غياهب الجب
بعد التطوارات الدراماتيكية في مسيرة قوش ودخوله المعتقل، وتجدد الاتهامات له بمحاولة دعم تحرك يسعى إلى تغيير النظام، مما زاد الشقة بينه وبين جماعته، لكنه استجمع قواه، ومسك لسانه، وحاول لعب دور جديد من داخل مقعده في البرلمان الذي مثل فيه أهله في الدائرة 5 بمروي حيث أطلق في أواخر الدورة الماضية التي ترأسها د. الفاتح عز الدين مجموعة من الانتقادات ذات الطبيعة الأمنية البعيدة من اللحم الحي مثل حديثه عن مخاطر وجود الأجانب في البلاد- أي أنه حاول أن يبدو قريبا من الشعب وليس النظام.
أولي القربى
في ذات الوقت قاد قوش خطا جديدا ومسارا يصله بأهله في الولاية الشمالية بتقديمه دعما كبيرا لعدد من روابط الطلاب والأندية الرياضية هناك دعما ضمن له الدخول من جديد إلى البرلمان عبر بوابه حزبه أو مستقلا لكن الوطني استشعر خطورة الأمر فاضطر إلى اختياره مرشحا له في الدائرة مروي فضمن قوش بطبيعة الحال الفوز معتمدا على الدعم الذي قدمه لأهله من جهة والدعم الذي قدمه له الحزب من جهة أخرى؛ تجنبا لهزيمة كادت أن تكون مدوية لو أن الوطني اختار غيره مرشحا له في الدائرة 5 مروي.
الخطوة المريخية
صحيح أن تحركات قوش لغسيل سيرته الذاتية من تجارب عمله السابق كانت متصلة- فقط- بمؤسسات محدودة ومقفولة كالمستشارية أو البرلمان أو محليته بالدائرة خمسة، لكن خطوة الترشح لرئاسة نادي المريخ هي الخطوة الأكثر ذكاء وانتشارا في عملية الغسيل؛ باعتبار أن المريخ أحد ناديين تنتشر جماهيرهما في كل بقاع السودان– القديم– وهذا يضمن له تطبيعا مع الجميع ودعاية مستمرة وظهورا إعلاميا في كل الوسائل، وبصورة يومية، تتوزع بين النقد والمديح لطبيعة الإعلام الرياضي في البلاد، وهذا يهيئ لقوش مواد تتراكم بمعدلات هندسية على ماضي لا يريد له أن يكون على واجهة ذاكرة أمة، وخاطرة شعب.

التيار