حيدر المكاشفي

صلاح ونسي .عبدالله عبيد .شيخ ادريس بركات وحمدنا الله عبدالقادر


توالت على البلاد فواجع الفقد، وتتالت عليها أيام الحزن خلال الأيام الماضية، ففي مساء الأربعاء أول من أمس، غادر هذه الفانية الصحافي المخضرم عبدالله عبيد، ومن قبله كان قد سارع لمغادرتها أيوب الصحافة السودانية الصحافي الكبير شيخ إدريس بركات، ولوصفي لفقيدنا شيخ إدريس بأيوب الصحافة السودانية حكاية سآتي على ذكرها، ولم يقف الفقد عند هؤلاء الفقداء الكبار فحسب، بل إن المنايا وهي في حوامتها حول حمانا تستعرضنا وتصطفي وتخطف منا سمحي النفوس، بسامي العشيات، على قول فقيدنا الأكبر صلاح أحمد إبراهيم، قد اصطفت وخطفت كذلك مبدعنا حمدنا الله عبد القادر، ولم تستثنِ حتى الشباب لتخطف بسرعة صلاح الدين ونسي محمد خير، أو صلاح ونسي، هكذا مجردة من أي لقب أو صفة أو موقع وظيفي، كما كنا نناديه بها على عهد الصبا الباكر، حيث لا تنظيم ولا وزارة ولا يحزنون، وسبحان الله!، فهي ذات الحالة التي يلقى بها كل ميت ربه، لا ينفعه مال ولا بنون ولا وزارة ولا حزب ولا تنظيم، إلا من أتى الله بقلب سليم..
لامني بعض من يعرفون أن المغفور له بإذن الله، صلاح ونسي محمد خير (بلدياتي ) – وبلدياتي هذه لها قصة سآتي عليها – على عدم نعيي له ولو بسطر حتى يوم أمس (الخميس)، رغم ممارستي للكتابة اليومية على مساحة تسع مئات السطور، صحيح أنني تلكأت وترددت في نعيه رغم حزني عليه وعلى كل فقدائنا ممن ذكرنا، ولكن لم يكن ذلك من غلظة أو جفاء أو موقف، وإنما فقط لأن من سارعوا لنعيه ممن زاملوه في العمل السياسي وآخوه في التنظيم وفي الاستوزار، لم يتركوا زيادة لمستزيد من النعاة، فما حيلتي إذن أنا الذي توقفت معرفتي به منذ عهد الصبا الباكر، غير أنني انتبهت إلى أن كل ما ذكره عنه نعاته من خصال وصفات نادرة ونبيلة في مراحل حياته اللاحقة، لابد أن لتلك الصفات والمزايا التي كان يتحلى بها منذ أن كان صبياً يافعاً أثرها فيما بعد، ولهذا أنا هنا لأشهد بأن صلاحاً كان الأكثر هدوءاً ورزانة من بين كل قرنائه، بل والأكبر منه، لدرجة أنه لا يتخلى عن هدوئه ورزانته ورصانته حتى في لعبة (الدافوري)، التي عادةً ما تسود فيها المخاشنات والكواريك والحنبكة. أما حكاية بلدياتي هذه، فهي أنني نشأت وترعرعت بين أهلنا المسيرية في منطقة لقاوة، وتشربت ثقافتهم ولهجتهم، وخبرت بسالتهم وشجاعتهم الفائقة، التي تبلغ أحياناً حد التهور، وكرمهم الفياض والدفاق، وصبرهم وجلدهم في مقارعة الخطوب وتحمل أقسى الظروف، وتشبعت بكل تراثهم سواء ذاك الذي أنتجوه في حالة حلهم واستقرارهم، أو ذاك الذي أفرزته حالات ترحالهم ومسارهم، وكان لابد لكل هذا الأثر المسيري في حياتي أن ينعكس بشكل أو آخر في كتاباتي الصحفية، ولعل ذلك هو ما جعل الكثيرين -ومنهم الكاتب المعروف محمد عيسى عليو، والصحفي الكبير محمد لطيف – يعتقدون أنني مسيري قح كامل الدسم، وهو على كل حال شرف لا أدعيه، ونسبة لا أنكرها، بل يشرفني أن أُنسب إلى أي قبيلة من قبائل السودان التي فاق عددها التسعمائة قبيلة، حسب أحد الإحصاءات..
وأما وصف أيوب الصحافة السودانية الذي نسبته لفقيدنا شيخ إدريس بركات، فحكايته تتلخص في إجابته على سؤال عدم زواجه حتى تقدمت به السن، قال – رحمه الله – في لماحية معروفة عنه (والله أنا دخلت الجرايد دي شافع، ودفنت راسي في ورق الجرنال دا، ولامن رفعت راسي لقيت عمري كم وخمسين، تاني أتزوج بوين). رحمهم الله جميعاً وجعل الجنة مثواهم..