جمال علي حسن

“السبحة بتجر” مقولة قديمة للحاج وراق


حين تصر قيادات الجبهة الثورية وقطاع الشمال على المطالبة بمنح الحكم الذاتي للمنطقتين فإن ذلك يعني أن مشروع الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال هو في حقيقته مشروع تقسيم وتفتيت للسودان، وأن على قيادات تلك الحركة أن تستبدل عبارة (تحرير السودان) بعبارة أكثر تناسباً معها وتعبيراً عنها هي (تقسيم السودان) .
وحين تصر قيادات قطاع الشمال على المضي في هذا التوجه فإن ذلك يعني أن معركة الطيب مصطفى القديمة وحملاته ضد ياسر عرمان كانت نيرانها خاطئة التصويب حيث أن الطيب الانفصالي كان يستهدف عرمان الانفصالي المتواري خلف شعارات وحدوية ماكرة وكاذبة، لأن عرمان لم يتوقف عند محطة تحقيق انفصال الجنوب مثل الطيب مصطفى، فمشروع التقسيم العرماني لا يزال يمضي والتزاماته لقوى التفتيت الخارجية والدولية لم تكتمل على ما يبدو حتى تنفصل جبال النوبة والنيل الأزرق وبعدها دارفور وشرق السودان.
المشكلة أن أطروحات قيادات قطاع الشمال تصنف معركتهم تصنيفاً محرجاً لمن يتعاطفون معهم من قوى اليسار وبعض المثقفين الآخرين .
أطروحات قطاع الشمال التي جددتها في اجتماع تنزانيا تعني أن معركتهم ليست معركة قوى وطنية معارضة ضد الحكومة والحزب الحاكم بل هي معركة متآمرة تفوح منها رائحة الأجندات الخارجية وهي معركة ضد كل دولة السودان بموروثاتها وحدودها وثقافة أهلها وخيارات شعب السودان التاريخية..
هذا ليس قولاً موسوساً أو ظناً متوهماً، فمشروع قطاع الشمال هو مشروع تقسيم وتفتيت واضح لا يمكن مواربته أو إنكاره طالما أن قيادات قطاع الشمال تجدد المطالبة بمنح المنطقتين حكماً ذاتياً، لا يعني إلا التمهيد للمطالبة بتقرير مصير جبال النوبة والنيل الأزرق ويعني الانفصال لأن تقرير المصير في ظل ظروف استثنائية سيحرم أهل المنطقتين لاحقاً من تحديد الخيارات الصحيحة لمصيرهم والتي تشترط ظروفاً طبيعية تمكنهم من تحديد الخيار الأصلح ويعني تكرار نفس سيناريو جنوب السودان تلك الدولة الجديدة النادم أهلها على خيارهم الخاطئ في تكوين أفشل دولة في العالم وبامتياز.
لذلك ظللنا وسنظل دائما في حالة نقاش مع الكثير من المثقفين المتعاطفين مع حملة السلاح، باعتبار أن هذا التعاطف مع خيارات حاملي البندقية ومع الجبهة الثورية هو تعاطف غير سوي وطنياً ومؤازرة غير مدروسة لكيانات تحمل مشروعاً متآمراً وستأتي اللحظة التي يصطدم فيها هذا المشروع مع المبادئ والأخلاق الوطنية للمثقفين المعارضين من الذين يجلسون على مدرجات التشجيع والمساندة لحملة السلاح، إنكم الآن لا تشعرون بهذا الأمر بسبب مصادرة الرغبة العارمة واللحظية لتفكيركم في مواجهة وكسر شوكة النظام الحاكم فقط وبأي شكل من الأشكال .
على هؤلاء المثقفين المخدوعين بشعارات نضال الحركات المسلحة أن يتعمقوا قليلاً في إصرار قيادات قطاع الشمال على قضية الحكم الذاتي للمنطقتين، عليهم أن يحكموا عقولهم ويراجعوا موقفهم فالرغبة في إسقاط النظام لا يجب أن تدفع صاحبها لسن سكاكين ذبح الوطن، عليهم أن يتذكروا مواقفهم القديمة فنحن لا نزال نتذكر حديث الأستاذ الحاج وراق القديم في سياق تحذيراته من الانفصال كان يردد: (السبحة بتجر) .

شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.