مصطفى أبو العزائم

لا تنشر.. فالقضية حساسة(!)


ما نشرناه بالأمس حول كتاب أستاذنا الراحل الأستاذ علي حامد ( صفحات من تاريخ الحركة الوطنية) وما حوى من معلومات خطيرة حول أحداث غيرت مسار تاريخ السودان في فترة الحكم الثنائي، خاصة بعد ثورة 1924م، ومناصرة الكثيرين من أعيان الخرطوم وعدد من موظفي الحكومة الكبار وغيرهم للإدارة البريطانية في موقفها من فك الشراكة مع مصر لينفرد الإنجليز بحكم السودان.. وذلك بعد اجتماع أولئك النفر- وفق رواية الأستاذ علي حامد- في منزل السيد عبد الرحمن المهدي بتاريخ الحادي عشر من يونيو عام 1924م.
.. ما نشرناه من معلومات، ثم مطالبة لأسرة الصحفي الكبير الراحل الأستاذ علي حامد (في القصيم) ليأذنوا لنا بنشر الكتاب الخطير أو مقتطفات منه، بحكم أن الأستاذ علي حامد – رحمه الله- كان من قادة الحركة الوطنية ومن خريجي كلية غردون عام 1937م ومن مؤسسي مؤتمر الخريجين.. ذلك النشر مقرونا بطلبنا ذاك نتجت عنه ردود أفعال واسعة وكبيرة، أولها بل وأقواها جاء من السياسي الضليع والوزير والسفير الأسبق الأستاذ عبد الله محمد أحمد، وقد هاتفنا الرجل صباحاً محيياً، مشيراً إلى أن (السياسي) هي إحدى صحفه المفضلة التي يبدأ بها يومه، قائلا: إنه يحرص عليها ويتابعها منذ أول يوم صدرت فيه.. وقال: إن مقالنا الذي جاء بعنوان: ( إلى أبناء الراحل علي حامد) لفت انتباهه واستوقفه، ورأى أن يتحدث لنا حوله. قلت للسيد الوزير والسياسي المخضرم الأستاذ عبد الله محمد أحمد: إن الكاتب كله آذان صاغية، وإنني مستعد لسماع رأيه، لأنه يعرف مقدار ما نكنّه له من احترام، لما عرف عنه من حنكة في الطرح وحكمة في الرأي.
طلب مني الأستاذ عبد الله محمد أحمد ألا أنشر كتاب أستاذنا الراحل علي حامد، لأن في هذا الذي أشرنا إليه تحامل على الإمام السيد عبد الرحمن المهدي، وإن هذه القضية (حساسة)، وإن تعرّض موقف السيد عبد الرحمن المهدي لأية هزة أو تم تقديم معلومات من جانب واحد فإن ذلك سيعرض كل تاريخ السودان لهزات وهزات، خاصة وأن السيد الإمام عبد الرحمن المهدي غائب في لحده، ولا يملك الرد على ما يمكن أن يثار حول تلك الأحداث والوقائع.
دافعت عن مبدأ النشر وعن مصارد معلومات أستاذنا الراحل علي حامد – رحمه الله- وقلت لأستاذنا عبد الله محمد أحمد: إن أسرة الأستاذ علي حامد إن وافقت على النشر فإننا سننشر الكتاب أو مقتطفات منه، لكننا سنفتح الباب أمام السياسيين والمؤرخين والباحثين والكتّاب ليدلي كل بدلوه, ويكتب ما يراه، لأن التاريخ كان ولازال هو علم الماضي المتصل بالحاضر, والممتد إلى المستقبل.
(طيب) .. هكذا رد علي أستاذنا عبد الله محمد أحمد، لكنه اشترط علي إن أردت النشر ووافق أبناء المرحوم (علي حامد) على النشر، أن أعيد قراءة أحد كتب أستاذنا الكبير الراحل محجوب عمر باشري عن الحركة الوطنية، وقال لي: إنه على الرغم من اختلافه السياسي والأيدولوجي مع الراحل محجوب عمر باشري إلا أنه يثمّن قدراته العالية وأمانته العلمية وضميره المهني عندما يؤرخ ويكتب عن السودان وتاريخ الحركة الوطنية.
وعدت الرجل خيراً، وقلت له:إنه يُحمد لأستاذنا الراحل محجوب عمر باشري أنه أحد الذين كتبوا عن الناس والأحداث في السودان، وإنه من الذين عايشوا الحركة الوطنية والأدبية والثقافية، وإنه قدم لنا مجموعة من أعظم الكتب التي تؤرخ لبلادنا.. وقلت له: إن أستاذنا محجوب عمر باشري إلى أن توفاه الله عام 2008م كان يتمتع بذاكرة قل أن يتمتع بها كثير من الناس، حتى إنه عندما كان في بدايات صباه وشبابه منتمياً للحزب الشيوعي السوداني كان يعتبر خزانة أسرار الحزب المطارد من قبل السلطات الاستعمارية قبل الاستقلال، وكان الحزب الشيوعي يعتمد على ذاكرة الأستاذ محجوب عمر باشري، ولا يترك أية وثائق أو مستندات حول عمله يمكن أن تدينه أو تكشف تحركاته إذا ما تم ضبط تلك الوثائق.. لكن ذاكرة باشري لن تصل إليها السلطات أبداً.