مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : آخر فتاة إلى «داعش» ليتها الأخيرة


> إذا كان سفر الفتيات إلى داعش قد بدأ منذ شهور عديدة وتناوله الإعلام بأشد الاستنكار لدرجة أن جعله مصادماً للأعراف السودانية أي أنه من العيوب الاجتماعية المنبوذ من يتصف بها في المجتمع، فإن يوم أمس طالعتنا بعض الصحف بخبر يتحدث عن توقيف طالبة جامعية بمطار الخرطوم كانت تهم بالسفر إلى داعش عن طريق الأراضي التركية.
> إذن طيلة هذه الشهور العديدة لم ينجح الإعلام في إقناع من كان يهم بالسفر إلى الدولة الإسلامية القائمة في الإقليم الأوسط العراقي وجزء من الأراضي السورية. ولكن ما هي الجهة التي يمكن أن تنجح في منع الفتيات من رحلة مجهولة الأمد؟!
> إن منع السفر وحده لا يكفي.. ويمكن أن تعيد الدولة قانون حظر سفر المرأة بدون محرم بعد أن رفعته في وقت سابق لأسباب سياسية رأت أنها تبيح لها ذلك.. وطبعاً كان رفع الحظر في عام 2003م بعد اتفاق مشاكوس الإطاري بأشهر.. أي كان لصالح خلق أجواء ملائمة لانطلاق التفاوض مع حركة قرنق. والآن تبقى الحاجة لإعادة قانون حظر المرأة شديدة، وبدلاً من أن تراقب السلطات سفر الفتيات يكون قانون الحظر مطبقاً دون عناء المراقبة.. والمراقبة أحياناً قد تخفق.
> وهذه الفتاة التي تم توقيفها في مطار الخرطوم مؤخراً طبعاً كانت تتابع التعليقات على سفر الفتيات السابقات.. لكن يبدو أنها كانت تهزأ من التعليقات.. وتظنها صادرة من «متطرّفين» في الجانب الآخر.. فالتطرّف هو طبعاً مجانبة «الحق».. وكلا الطرفين يتهم الآخر به.. لذلك تبقى العبرة بالمناظرات والنقاش الموضوعي وليس بالتوقيف.
> و«الفتاة» التي تم توقيفها بواسطة الشرطة داخل المطار كان قد بلّغ عنها أحد أقاربها.. ولو كان قانون حظر سفر المرأة بدون محرم سارياً لما استطاعت تجهيز إجراءات السفر قبل مرحلة مصادفة قريبها.
> إذن قانون حظر سفر المرأة بدون محرم وعلى الأقل قبل أن تبلغ الخمسين من عمرها يبقى مهماً الآن رغم أن هذا الشرط بدعة لم ترد في شريعة الإسلام.. لكن قد تستخدم كإجراء سياسي.. ومن قبل كان رفع حظر سفر المرأة بدون محرم كإجراء سياسي.. ودون الخمسين للنساء تستخدم كإجراء للعمرة بدون محرم. وإذا كانت هذه الفتاة قد غادرت بعد شهور عديدة مضت على أول فتاة مغادرة لفتيات توجهن إلى الدولة الجديدة في العراق وسوريا.. الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».. رغم ما تابعته أو بلغها من تعليقات إعلامية ورسمية ودعوية، فالآن يمكن أن تكون هناك بعض الفتيات يتابعن ما جرى لهذه الفتاة.. ولن يكترثن له مثلما لم تكترث هي للتعليقات حول من سبقنها بالسفر.
> والسفر يمكن أن يكون في مرات قادمات بغير مطار الخرطوم.. يمكن أن يكون بمطارات عواصم أخرى.. يمكن أن يطرن من مطار الخرطوم إلى عواصم بعيدة عن تركيا.. إلى باريس أو لندن أو روما فقانون حظر سفر المرأة بدون محرم غير ساري المفعول.. وإذا كان سارياً لن تستطيع فتاة تجاوزه إلا إذا كان شقيقها يحمل نفس رغبتها في نفسه.. ومع شقيقها المشكلة تكون أهون طبعاً.
> الحكومة الآن مطالبة بأن ترصد ميزانية كافية لإقامة أركان نقاش ومحاضرات خارجية في الجامعات والثانويات خاصة مدارس البنات.. فطالبة الثانوي مسلمة تحفظ القرآن والحديث.. وهي في عمر يُحتمل فيه «الورع الخاطئ».. وهو يأتي بسبب ضيق الأفق وضعف التفكير في هذا العمر.
> لكن للأسف كثير جداً من السودانيين غير ملمين بمضمون وحقائق «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.. وهي لا توجد في شمال العراق حيث إقليم كردستان ولا في جنوبه حيث إقليم الشيعة.. ومع ذلك تمتد إلى الأراضي السورية. لا بد أن نفهم أولاً أن تلك الدولة ينتمي إليها أبناء العشائر والقبائل القاطنون هناك في أراضيها منذ مئات السنين.. وأنها تحالف من مختلف المكونات السياسية والفكرية في العراق وسوريا «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى».. لكن جمعتهم قضية واحدة هي مقاومة الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني والسلطة الشيعية.. وبعد الانتصار على واشنطن وطهران وحكم الشيعة.. وإعادة استقلال العراق ولو بدون كردستان كما هو متوقع طبعاً.. يمكن أن يوجه قادة «داعش» السلاح نحو بعضهم لأن «قلوبهم شتى» كما حدث للأفغان بعد أن هزموا الاحتلال الشيوعي.. فقامت طالبان تحارب حكومة المجاهدين وانتصرت عليها لتقوم معارضة تحالف الشمال بمعاونة واشنطن لتهزم طالبان.. وتحاول «طالبان» منذ سنين استرداد حكمها. إذن لماذا تسافر الفتيات من الخرطوم؟! الإجابة لأنهن لم يجدن معلومات وحقائق جغرافية وسياسية.. ولأنهن لم يجدن علماء ودعاة أذكياء.. ولأنهن لم يجدن أصحاب قدرات للمناظرات والمناقشات.. لكننا جاهزون لأية مناظرة ونقاش.
غداً نلتقي بإذن الله.