عبد الباقي الظافر

هل هؤلاء الرجال جبهة ثورية..!!


٭ أمس الأول كان الفريق مالك عقار يرتب حقيبة سفره على عجل ليغادر العاصمة الفرنسية.. جاء مالك عقار لباريس ليرأس اجتماعات للجبهة الثورية تناقش خطط لإجراء تعديلات في النظام الأساسي ..من بين التعديلات المقترحة أن يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية عوضاً عن الإجماع ..لكن في بند أشياء أخرى كان هنالك من يطالب مالك عقار بإخلاء منصبه .. حركات دارفور وبدعم من التوم هجو اتفقوا على أيلولة القيادة لجبريل إبراهيم .. هؤلاء استندوا على قرار من اجتماع سابق يقضي بتنحي عقار إذا ما اتفق الآخرون على رئيس بديل ..المفاجأة غير السارة جعلت الفريق عقار يتعجل العودة إلى رجاله في الخطوط الأمامية.
٭ انفجار الأحداث في الجبهة الثورية لم يكن وليد اللحظة.. الكيان الجامع للمعارضة المسلحة والذي أسس في العام 2011 كان يعاني من تشوهات ما قبل الميلاد .. مكونات التنظيم لم يجمع بينها إلا العداء للنظام القابض في الخرطوم ..ثلاث مرجعيات سيطرت على التنظيم الوليد أولاهم مرجعية جهوية أو قومية، حيث تهتم هذه المرجعية بنظرية الهامش والمركز، ويمثل هذه بشكل أساسي مني مناوي وقيادات أخرى من جبال النوبة والنيل الأزرق .. فيما الثانية ليبرالية ذات مسوح يسارية تهتم بفكرة السودان الجديد الذي فيه تتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .. المرجعية الثالثة ملامحها إسلامية وإن تبنت مطالب الإنصاف وهذه تتمثل في حركة العدل والمساوة المقربة من حزب المؤتمر الشعبي .. صهر هذه المكونات في بوتقة واحدة لم يكن عملاً يسيراً.
٭ تحالف الجبهة الثورية أيضا واجه تحديات ما بعد الميلاد ..التنظيم الجديد عاني من عقدة الأخ الأكبر .. وجود الحركة الشعبية بإرثها النضالي وتجربتها السياسية الطويلة بجانب سهمها الأكبر في الميدان جعلها تتحكم في مفاصل القرار.. هنا أيضا كانت الأجندة تتمايز أحيانا خاصة حينما يرتفع صوت المشورة الشعبية المحصور في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ..التحدي الأكبر كان في قيام الحرب الأهلية في جنوب السودان، وقبل ذلك سقوط نظام القذافي في ليبيا مع انشغال تشاد بهمومها .. هنا غاب الراعي الإقليمي مما أدي لاضطراب في الرؤية بين مكونات الجبهة الثورية.
التحدي الجديد والذي له ما بعده يتمثل في قيام الحوار الوطني .. حماس الشيخ الترابي لهذا المنشط يجعل حلفاء الجبهة الثورية يمعنون النظر في لحية الدكتور جبريل إبراهيم التلميذ السابق للشيخ حسن الترابي.. الحكومة أيضا لها خبرتها في التعامل مع مني مناوي الذي شغل منصب المساعد الأكبر للرئيس البشير قبل أن يعود لأعلى الجبل مُغاضِبا..هذا يعني أن للحكومة وشيخها السابق قنوات تواصل قد يتم تسليكها في أي وقت مع اثنين من كبار المساهمين في شراكة الجبهة الثورية..حتى الخليفة التوم هجو لن يكون بعيداً عن (صنارة) الحكومة حيث لا زال الرجل يدين بالولاء للطائفة الختمية .
٭ في تقديري.. إن انشقاق الجبهة الثورية أصبح مسألة وقت..لكن لهذه التطورات آثار سالبة على الجبهة الثورية في المقام الأول وعلى البلد بشكل غير مباشر.. ستسقط الجبهة الثورية في امتحان تبادل السلطة سلماً، الانشطار سيضعف من صيتها وسط المجتمع الدولي ..قوة الضغط على الحكومة ستضعف حرباً وسلماً..الأهم من ذلك أن خيبة أمل ستضرب قواعد الجبهة الثورية التي لم تستطع الاتفاق عَلى رجل يجلس على معقد السائق لحين الوصول للخرطوم ..فكيف يكون الحال إن نجح سيناريو الوصول للسلطة.
٭ بصراحة..الجزء غير المريء فى خلافات الجبهة الثورية هو الإسهام في تعطيل التحول الديمقراطي في السودان..سلام التجزئة لم ولن يحقق الاستقرار..الهدنة التي اعقبت اتفاق السلام الشامل في السودان لم تنجح إلا حينما توحدت الحركة الشعبية خلف رجل واحد.