الصادق الرزيقي

أشياء تحدث حولنا!!


> قلنا من قبل..إن جوارنا والمنطقة حولنا مقبلة على تطورات كبيرة سيكون لها تأثيرها وانعكاساتها على أوضاعنا الداخلية، وذلك تبعاً للتطورات الدولية المتسارعة، وقدرة الخروج على إلقاء ظلاله على الداخل لا يمكن مواجهتها وتقليل فاعلية دورها في توجيه مسارات ما يدور ويحدث عندنا. فخلافات الجبهة الثورية مثلاً، أو دولة الجنوب ما بعد توقيع الاتفاقية الأخيرة بين الحكومة ومعارضيها، والتحولات الكبيرة في الدول الإفريقية ومواقفها من قضايا دولية مهمة، ووضع روسيا لأقدامها في المياه الدافئة عند الضفة الشرقية للبحر المتوسط في قلب أرض الشام، ونُذر الأحلاف الجديدة داخل الفضاء العربي، والانتخابات الرئاسية الأمريكية وهي على الأبواب، وقد بدأ السباق داخل الحزبيين الرئيسين الديمقراطي والجمهوري..
> كل هذه الأحداث في الإقليم وخارجه تفرز سواء درينا بها أم لم نحس بغطائها الكثيف والسميك حول رؤوسنا، لها ما سيعقبها ويكون له صدى على وضعنا الراهن. فالسودان جزء من المنطقة، والعالم لا ينفصل عن تفاعلات تجري حوله. فالجبهة الثورية وتصدعاتها، هي نتيجة مباشرة لغياب ضابط الإيقاع الغربي الذي كان يوجه عمل الجبهة الثورية ويصرف عليها ويحدد اتجاهاتها وأولوياتها، ويؤجل خلافاتها الداخلية. ومنذ فترة ليست بالقصيرة، صارت الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال يتامى يجلسون على الرصيف يتخبطون كالذي يتخبطه الشيطان من المس! يئست منهم الدوائر الغربية التي كانت تمد لهم يد العون والمساعدة وتوظِّفهم لخدمة أهدافها، ويئست منهم القوى الإقليمية بعد أن صاروا عبئاً عليها منذ أن خفت الحماسة الإقليمية وفي دول الجوار للمشاركة في إحداث تغيير للنظام القائم في الخرطوم.
> مفاهيم جديدة جعلت من منطق تعايش الضرورة بين دول المنطقة ومن ورائها القوى الكبرى، قلبت الأمور رأساً على عقب. ففكرة التعامل وتهدئة الأوضاع في الإقليم بالنسبة للمحيط الإفريقي، وضعت المصالح المرسلة بين دول المنطقة في المقدمة وأعطتها الأفضلية على أية خيارات أخرى، وعبَّر عن هذا بدقة الرئيس اليوغندي يوري موسيفني مؤخراً قُبيل زيارته إلى السودان وبعدها، والرئيس البورندي الخارج من مستنقع الاضطرابات والتوترات في بلاده، والرئيس جوزيف كابيلا تعليقاً على عمليات عسكرية تقوم بها قوات من دول وسط وشرق إفريقيا لمطاردة حركات سالبة في منطقة شرق الكونغو، بينها شخصيات مطاردة دولياً مثل جوزيف كوني زعيم جيش الرب اليوغندي..ولم يكن الرئيس الكيني أوهور كينياتا ليتخلف عن قافلة الآمال العِراض في المنطقة، وهو ينصح شركاء وأصدقاء دول الإيقاد بالإسراع في إزالة العقبات التي تعترض اتفاق طرفي النزاع في جنوب السودان توطئة لتهيئة المنطقة لاستقبال تعافٍ جديد في أمنها واستقرارها حتي تنحجب عن سماء شرق إفريقيا قتامة الكساد التجاري وتنزاح الخشية من اتساع رقعات المواجهات لتقضم أطراف في دول أخرى غير جنوب السودان.
> في المنطقة العربية ستُجنى ثمار كثيرة من مشاركة السودان في إعادة الشرعية لليمن وتحقيق عاصفة الحزم لأهدافها، رغم المخاوف السابقة من فشل هذه العملية، لكن الواضح أن قدرات الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد تراجعت وتناقصت بنسبة لا تقل عن 45% ، ولم تعد طهران راغبة في الاستمرار في مغامرة غير مأمونة النتائج وتبحث للحوثيين عن مخرج آمن بعد استحالة سيطرتهم الكاملة على اليمن وانسداد الأفق أمامهم، مع رفض الشعب اليمني لهم وقلة خبرتهم وكفاءتهم السياسية في التعامل مع الأزمة الراهنة وخسارتهم عدن وباب المندب، وليس معهم أي حليف آخر في المنطقة المقابلة (الصومال، جيبوتي، إريتريا). فإيران همها وشغلها الشاغل اليوم، هو توضيب أوضاع العراق وسوريا بعد التدخل الروسي والتفرغ الكامل لبناء تحالف جديد لحماية مصالحها في المنطقة وتكوين هذا الحلف الإستراتيجي، ثم تتفرغ بعد الفراغ منه لقضايا أخرى، فتدحرج موضوع اليمن للوراء.
> بجانب ذلك، الأوضاع في ليبيا تشهد تطورات مهمة بعد اندحارات كبيرة لقوات حفتر في مناطق الشرق وجنوب ليبيا في منطقة الكفرة ومناطق أخرى، خسارة حركات من دارفور رهانها على حفتر ودعمه، وتعمل مؤسسات القرار الدولي وعدة عواصم دولية وإقليمية على ترتيب صيغة جديدة للتعامل مع الأزمة الليبية، ولجم الحرب الدائرة فيها لاحتواء أخطار كثيرة منها الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط إلى أوروبا، وقد تزايدت بسبب غياب الدولة والاقتتال الدموي في ليبيا، ونفس الترتيبات تجري لإفريقيا الوسطى لضمان الهدوء والاستقرار.
> كل هذه التحولات في المنطقة لها انعكاس على الداخل السوداني، وصار المطلوب دولياً وإقليمياً من السودان المساهمة ولعب دور في تثبيت الاستقرار والسلام على الصعيدين الإفريقي والعربي. فإن نشاط ووجود الحركات والمجموعات المسلحة واستمرار القتال سيتضاءل تدريجياً بانتفاء دوافعه التحريضية واختفاء محاضنه هنا وهناك..