يوسف عبد المنان

تجربة حكم


ليس من العدل والإنصاف اتهام تجارب كل أبناء الولايات في حكم ولاياتهم بالفشل ووصمها بالعار على نظام الحكم اللا مركزي لـ(مجرد) أخطاء مركزية جعلت من حكم الوالي مطلقاً بلا رقيب أو محاسبة، وتم تدجين المجالس التشريعية وسلبها صلاحية حتى التوصية بإعفاء الولاة، فأصبح الولاة (أباطرة) أفسد بعضهم تجربة اختيار الولاة لخوض الانتخابات التنفيذية، مما اضطر الرئاسة لتعديل الدستور وإلغاء انتخاب الولاة والأخذ بتعيينهم من المركز. وقد اختار الرئيس في المرحلة الأولى والياً من كل ولاية استناداً لنتائج العملية الانتخابية الملغاة!! ولكن في غياب نصوص في الدستور تلزم الرئيس باختيار شخصية من كل ولاية وتعيينها في ولاية أخرى.. قد يأتي يوم يختار فيه الرئيس كل ولاة الولايات من محلية واحدة أو ولاية أو حتى من أحياء الخرطوم أو الفاشر.
وبعد مضي فترة قصيرة للتعيينات المركزية تبدت نجاحات في الجزيرة وشمال كردفان وجنوب دارفور، وظهرت إخفاقات في ولايات أخرى مثل ولاية الخرطوم التي فشلت بجنرالاتها في توفير المياه لقلب العاصمة وهزمت حكومة الفريق “عبد الرحيم” النفايات والأوساخ والذباب في الأحياء السكنية، وغابت حكومة الخرطوم حتى من المشهد الإعلامي باستثناء محاولات الجنرال “أبو شنب” في محلية الخرطوم.. لا أثر لبقية محليات الولاية.
من بين الولايات التي تم استثناؤها من قرارات التعيين من خارجها ولاية وسط دارفور حديثة التكوين والميلاد، بسبب النجاحات التي حققها “الشرتاي جعفر عبد الحكم” في فترة ما قبل الانتخابات وللتعقيدات السياسية والاجتماعية والأمنية في منطقة تعتبر (منبت) التمرد في دارفور ومركز القيادة السياسية للإقليم المضطرب.. وقد نجح “الشرتاي جعفر عبد الحكم” في ثلاثة ملفات أولها الأوضاع الأمنية بفرض هيبة الدولة والحكم وبسط العدل بين مكونات الولاية، وقد انحسرت أنشطة التمرد في جبل مرة.. وتم فتح الطرق المغلقة، وبات طريق الإنقاذ الغربي زالنجي الجنينة شرياناً للحياة والتواصل.. وسياسياً اتسم خطاب “الشرتاي جعفر عبد الحكم” بقدر من الواقعية فلم يذهب (لشتائم) المعارضين وتخويفهم، كما يفعل كثيرون، الشيء الذي جعله قادراً على استقطاب المعارضين من حاملي السلاح والتفاهم مع البعض الآخر.. ودخول معسكرات النازحين التي يعتبرها “عبد الواحد محمد نور” سلاحه الوحيد في مواجهة الحكومة.
والملف الثالث الذي تحقق فيه إنجاز حقيقي هو ملف التنمية في “زالنجي” التي تبدل وجهها وتغيرت ملامحها وتمدد الإسفلت داخل أحياء المدينة، وبفضل التناغم والتجانس مع السلطة الإقليمية بولايات دارفور أصبحت “زالنجي” تحتضن اجتماعات مجلس وزراء السلطة بدلاً من الفاشر ونيالا، كما كان في السابق.. وهذه النجاحات ما كان لها أن تحقق على أرض الواقع لولا وجود شخصية مثل “جعفر عبد الحكم” الذي سلبته الحكومة من قبل حقوقه كوالٍ منتخب وتم (طرده) من منصبه، ولم يتمرد أو يرفع صوته معارضاً ليثبت أنه شخصية نادرة في التعاطي مع السياسة بواقعية ورشد.
إن تجارب بعض أبناء الولايات جديرة بالتقدير والإنصاف، وقد أقبل كثير من الولاة (المعينين) على لعن من كانوا في الكراسي التي يجلسون عليها.. وشغلوا أنفسهم بمعارك انصرافية ، الوالي السابق فعل وترك ونهب وسرق وتجاوز، ولكن لم يقبلوا على فعل خير ولا إنجاز في كتابهم محدود الصفات. وقد تعهدت الحكومة المركزية من قبل بمراقبة أداء الولاة وتكوين لجان خاصة بعضها معلن وآخر سري لتقديم تقارير دورية عن أداء الولاة.. فهل هناك لجان تقويم فعلية؟؟
أم ترك الولاة ليفعلوا بولاياتهم ما شاء لهم خاصة وأن المجالس التشريعية (مدجنة) ومغلولة الأيدي وممسوكة اللسان.