الصادق الرزيقي

ما بعد قرار الـ(فاتف FATF )


> يجب النظر بتفاؤل كبير لقرار منظمة العمل المالي الدولية ( FATF) أول من أمس، في باريس برفع اسم السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويتاح للبنوك التجارية بالسودان القيام بالتحويلات المالية من وإلى دون قيود أو شروط كما أعلن البنك المركزي غداة صدور القرار بعد جهود مضنية استمرت لسنوات حتي تم استيفاء كل الإجراءات والشروط والمتطلبات في هذا الصدد، فالقرار له ما بعده في إطار تطبيع علاقات السودان مع المؤسسات المالية الدولية والبنوك العالمية ودول العالم المختلفة.
> ولا ينجرد هذا القرار من بعده السياسي، فقد كانت المخاوف من تمويل الإرهاب أو التساهل في عمليات غسل الأموال وغض الطرف عنها واحدة من أهم الذرائع التي خدمت الولايات المتحدة في تطبيق عقوبات أحادية ضد السودان،واستثمرتها في توسيع دائرة المقاطعة والتضييق على بلدنا بحرمانه من التحويلات المالية. ولطالما ذكر مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية لمسؤولين سودانيين في غير ما مرة، إن مسألة التحويلات المالية ليست توجيهاً أو قيوداً أمريكية فقط، في وقت كانت العقوبات الأحادية وقيود وشروط وإجراءات منظمة العمل المالي الدولية حول السودان بدت وكأنها تصدر من مكان واحد، مثلما هي توظف في إتجاه واحد..
> ولا تستبعدن تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في مثل هذه المنظمات، لأنها المعنية بالدرجة الأولى بتتبع حركة الأموال في العالم الإسلامي والعربي والتأكد عن وجود شبهات حول صلة التحويلات المالية بالإرهاب أو عمليات غسل الأموال، ولوزارة الخزانة الأمريكية جهاز استخبارات خاص هو مكتب إدارة شؤون الإرهاب. والاستخبارات المالية (TFI) يقوم بجمع المعلومات ومراقبة التحويلات المالية في العالم كله وحركة الأموال والبنوك العالمية والاستثمارات الدولية، ويمرر هذا الجهاز الكثير من معلوماته لأجهزة غربية أخرى ومنظمات دولية. ويتابع معها تطبيق العقوبات والجزاءات الصارمة ضد الدول والأنظمة والحكومات والبنوك، وهو الجهة التي تولت توفير المعلومات وإحالة ملف البنك الفرنسي (بي إن بي باريبا) إلى القضاء الأمريكي حتى تم تغريمه مبلغ «787» مليون يورو بعد إدانته في التعامل مع السودان وإيران في تحويلات وتعاملات مالية متعلقة بقطاعي النفط في البلدين.
> وما حدث اليوم خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح بالنسبة للسودان. فالدول الأوروبية كانت تنتظر فيما بدا لكثير من المراقبين والمحللين إشارة أمريكية تمهد لمثل هذه القرارات ذات الصلة بالتعاملات التجارية والاقتصادية. وكون القرار ذا صلة بالسياسة، فهذا لا شك فيه. ففي آخر لقاء لوزير الخارجية السوداني والأمريكي وعد جون كيري بأن بلاده ستدرس مسألة التحويلات المالية بعد أن أثار وزير الخارجية بروف غندور أمامه قضيتها باعتبار أن إعطاء السودان تراخيص من مكتب (اوفاك) الذي يراقب تنفيذ العقوبات والمقاطعة الاقتصادية الأمريكية لا يعني شيئاً ولا يمكن الاستفادة من الأذونات دون حل قضية التحويلات المالية..
> فإذاربطنا بين الوعد الأمريكي والجهود المبذولة طيلة السنوات الماضية من جانبنا خاصة بنك السودان والجهات الأخرى في الدولة من حيث بناء بيئة قانونية وتشريعية وإدارية وفنية لتكون متوافقة مع المعايير الدولية في مكافحة عمليات غسيل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب، فإننا نجد أن الجانب الفني مهما كانت نجاعته وأهميته يحتاج إلى معطى سياسي يسرع ويدفع نحو صدور مثل هذا القرار المهم والخطير.
> فإذا كانت مسائل كالديون وهي أمر اقتصادي فني محض، يرتبط علاجها وإعفائها بقرارات وتفاهمات وتسويات سياسية، فما بال القرارات ذات الصلة بالإرهاب وتمويله وعمليات غسل الأموال المربوطة بالتهريب وتجارة المخدرات وجرائم الاحتيال والجريمة العابرة للقارات والحدود؟..
> إذا كان السودان قد استوفى الشروط كلها في مسألة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مما اقتضى رفع اسمه من قائمة الدول ذات القصور، فإن ذلك حتماً سيشجع الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرار مماثل وستكون لديها حجة أقوى أمام الكونغرس المتعنت حتى اللحظة. وقد نفى مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية (جيمس ر.كلابر) أمام الكونغرس قبل أسابيع، أية علاقة للسودان بدعم الإرهاب. وهذه الوكالة هي تجميع لـ«17» جهاز ووكالة مخابرات أمريكية بما فيها الــ(A.I.C).
> علينا أن نعضد من جهود الإخوة في بنك السودان ووزارة المالية ووزارة الخارجية في معالجة هذه الملفات الشائكة والمعقدة، وأول الغيث قطرة..