الطاهر ساتي

أعمل رايح


:: ذات يوم من أيام حكومة مايو، وكان حال الناس والبلد قد بلغ من الضيق والضنك ما لا يُطاق، وإنتشرت محاكم الطواري في طول البلاد وعرضها، وكذلك وسائل الكبت وصفوف البنزين والرغيف، أوقف الأمن شباباً يوزعون المنشورات بحماس في المحطة الوسطى..تفحصوا المنشورات ولم يجدوا فيها مكتوباً، أي محض أوراق، فسألوا الشباب عن سر توزيعهم لهذه الأوراق البيضاء، فردوا : (هسة دي حالة محتاجة كتابة ؟).. وأمام قضية مكتب مدير عام الجمارك المثارة إعلامياً، يبدو أن سلطات الدولة سوف تكتفي بهذا النوع من (البيان الفصيح)..!!
:: فالمالية التي تتبع لها الجمارك فنياً لم توضح ما يحدث، ولا الداخلية التي تتبع لها الجمارك إدارياً قالت (تلت التلاتة كم)، وكذلك وزارة العدل المسؤولة عن حماية الحق العام لاتزال في عالم الصمت، والبرلمان ربما لا يعلم ما يحدث و آخر من يعلم .. وعليه، فالصمت قد يغري الآخرين العمل بشعار : ( لو رأيتني أنهب فاعمل رايح)، ولذلك – لو عجزوا عن الافصاح – نقترح لكل السلطات المسؤولة إصدار بيان فحواه (ورقة بيضاء)، كأبلغ وأفصح توضيح لهذه القضية..ولحين ذلك، نُذكر الناس بأن لجنة الشئون المالية في البرلمان الدورة الفائتة ناقشت تقرير المراجع العام، وكتبت تقريرا به بعض الأسطر الغريبة عن القانون ، إذ تقول الأسطر الغريبة : ( هنا نشيد بالجهود التي تبذلها نيابة الأموال العامة، حيث فصلت في أكثر من (20 حالة)، من جملة الحالات التي بلغت (39 حالة)، إذ تم الفصل في (9 حالات) منها، إضافة الي شطب (11 حالة) نسبة للسداد أو لأن الواقعة لاتشكل جريمة جنائية)..!!
:: و بالتأكيد، حالات الفساد الموثقة في محاضر النيابة وذاك التقرير البرلماني هي حالات فساد (صغار الأسماك)، أما الحالات التي من شاكلة شركة الأقطان وخط هيثرو ومكتب الوالي وغيرها (فساد الحيتان) فهي حتماً لاتزال تلف وتدور في ( محيط اللجان)، و – طبعا – سوف تلتحق بها قضية الساعة هذه .. ومع ذلك، فلنعد قراءة تلك الأسطر الغريبة ، لنخرج بإفادة تشير الى أن نيابة الأموال العامة كانت تشطب بعض القضايا في حال سداد المتهمين المبالغ المطلوبة منهم، أى في حال إسترجاع المختلسين للمبالغ المختلسة، وهذا لايجوز شرعاً ولا قانونا.. !!
:: فالمادة (177)، من القانون الجنائي للعام (1991)، تقول بالنص : ( 1/ يعد مرتكب جريمة خيانة الأمانة من يكون مؤتمنا على حيازة مال أو إدارته ويقوم بسوء قصد بجحد ذلك المال أو امتلاكه أو تحويله الى منفعته أو منفعة غيره أو تبديده أو التصرف فيه باهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة ويعاقب بالسجن لمدة لاتتجاوز (7 سنوات)، كما يجوز معاقبته بالغرامة .. 2/ إذ كان الجاني موظفا عاما أو مستخدما لدى اى شخص أؤتمن على المال بتلك الصفة، يعاقب بالسجن مدة لاتتجاوز (14 سنة)، مع الغرامة أو بالإعدام ).. هكذا النص القانوني، واضح وصريح ، بحيث لم يقل لاتصريحا ولا تلميحاً ( تُشطب القضية في حال سداد المتهم المبالغ المختلسة)، أو كما الحال في تقرير العام الفائت..وعليه، عندما يعرض المراجع العام تقريره السنوي المرتقب، على النواب أن ينتبهوا.. هذا أوعليهم العمل أيضاً بشعار ( لو رأيتني أراقب باستهتار أعمل رايح)..!!


تعليق واحد