مزمل ابو القاسم

قانون النيابة العامة


* دونت مقالين مهمين، تناولت فيهما بالنقد ظاهرة تسخير المحليات للسلطة القضائية في جباية الأموال من المواطنين، وهدمها لكل معاني العدالة الواردة في الدستور والقوانين المحلية والمواثيق الدولية.
* انتقدت تعامل تلك المحاكم مع ادعاءات المحليات وكأنها وحي يُتلى، واستنكرت تعاملها مع الرسوم المقررة على (المتهمين) على أنها حق حتمي، ينبغي الوفاء به، بغض النظر عن الظروف المصاحبة له، وبلا أدنى تمحيص لكونه مستحقاً أو غير ذلك.
* توقعت أن يثير المقالان جدلاً في أوساط القانونيين، لخطورة ما ورد فيهما وأهميته، لكنهما مرا مرور الكرام، ما خلا تعليق وحيد، وصلني من صديقي المحامي المتمكن، والقاضي السابق مولانا عبد الله المدثر، الذي كتب لي رسالة حملت ما يلي: (لو قيل لي اكتب مقالاً عن عدم قانونية محاكم الجبايات ومخالفتها للدستور لما دونته بتلك الجودة والروعة).
* مؤخراً شرعت الصحف في نشر ملامح قانون النيابة العامة، الذي سيمنح النيابات حق الملاحقة القضائية، والتحري في الجرائم التي يرتكبها الموظفون العموميون، إضافةً إلى الرقابة على أماكن الحبس التابعة للشرطة وشرطة السجون وجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
* سيحدث القانون تحولاً تاريخياً، لأنه سيفصل النيابة عن وزارة العدل للمرة الأولى في تاريخ السودان.
* استحقت النيابة لقب (الخصم الشريف)، لأنها تمثل الضامن الأول لتحقيق العدالة، وتوفر العون القانوني لمن لا مال له، وترعى حقوق المتهمين، وتصون المبدأ الخالد (المتهم بريء حتى تثبت إدانته).
* ضعف النيابات يصيب العدالة في مقتل، وقوتها تحفظ للمتهمين حقهم الشرعي في الدفاع عن أنفسهم، وتثبت للشاكين حقهم في جلب البينات، ومقاضاة من تعدوا عليهم.
* نتمنى أن يعيد القانون الجديد للنيابة اعتبارها، ويمنحها اهتماماً لم يتوافر لها في ما مضى، لأن من يتفحص حالها سيلاحظ أنها تعاني الأمرين من ضعف وتواضع معينات العمل، قياساً بما تحظى به السلطة القضائية.
* تعددت مجمعات المحاكم، وتمددت وبنيت على أجمل ما يكون، ووفرت للقضاة بيئة عملٍ مناسبة، وظلت النيابات على حالها، تشكو ضعف الموارد، وقلة وسائل الحركة، بخلاف أن معظم مقارها تقبع في منازل (إيجار)، تفتقر إلى أبسط معينات العمل.
* تعمل نيابة الصناعات في بيت متواضع، يواجه قصراً مشيداً يضم مجمع محاكم أم درمان غرب، وتقع نيابة جرائم المعلوماتية بمنزل إيجار في شارع ضيقٍ ببحري، شأنها شأن نيابتي الأسرة والطفل، والصحافة والمطبوعات، وغيرهما من النيابات، التي تتوزع داخل الأحياء، وفي الأسواق.
* قبل فترة زرت نيابة الخرطوم شرق، فلم تخطئ عيناي رقة حال المقر، بأثاثه الرث، وتجهيزاته المتواضعة.
* رصدت (طوبة) تسند الطاولة التي يعمل عليها وكيل النيابة، ورأيت بقايا أثاث أكل عليه الدهر وشرب، علماً أن عمل النيابة يستمر على مدار الساعة، ويفرض على وكلاء النيابات أن يقضوا الليالي في مقار العمل، كي يوفروا العدالة لمن يحتاجها بلا إبطاء.
* نتوقع أن تحظى النيابة بذات الاهتمام المتوافر للقضاء، وأن ينال وكلاؤها نفس المخصصات والتسهيلات والمميزات التي ينالها القضاة، كما نرجو أن يسهم القانون الجديد في تقوية النيابة، وتعضيد دورها الكبير في حفظ وصيانة العدالة بالسودان.