منى ابوزيد

في الاصدقاء والاعداء ..!


«الأحزاب المتحاورة نفسها تحتاج إلى تجديد بنائها بنفض الأدوات القديمة وترميم المناهج.. كل آفاتنا السياسية تبدأ من خطل المؤسسة الحزبية، وكلها تنتهي باستقامة عوجها»..!
قبل فترة أوردت صحيفة التايمز اللندنية خبراً يندرج تحت تصنيف شر البلية الذي يبكي قوماً ويضحك آخرين.. قالت صحافة الخواجات – في معرض «تعريضها» بغرابة أطوار حكام القارة السمراء: «إن ساحرة شابة في زيمبابوي نجحت في خداع أركان نظام رئيس البلاد من وزراء ومسؤولين في الحزب الحاكم وقادة الجيش والشرطة، لأكثر من سنة، حين أقنعتهم بأنها قادرة على حل مشكلة البلاد التي تعاني من نقص في النفط عبر استخراجه من إحدى الصخور بضربة من عصاها»..!
الوزراء في حكومة موجابي استبشروا يومها بذلك الحل السحري لنقص النفط الدائم في بلادهم، وحينما شاهد القوم شلال النفط الخام وهو يتفجر من تحت عصا صديقتهم الساحرة نفحوها ثلاثة مليارات دولار أميركي «مقابل تلك المعجزة» ..!
لكنهم – وكعادة المغفلين في القصص الخرافية – ما لبثوا أن اكتشفوا بعد مرور أكثر من عام أن الساحرة الوقورة – التي أوهمتهم بأنها تستطيع استخراج ما يكفي لتأمين حاجة البلاد من النفط لمائة عام مقبلة بضربة من عصاها! – ما هي إلا محتالة جريئة تفتق ذهنها عن هذا «المقلب الدوليش بعد أن اكتشفت صهريجاً كبيراً من الوقود كان مهجوراً منذ أيام الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في السبعينيات، ثم قامت بمد الأنابيب منه إلى قلب صخرة في أسفل التلال، بعد أن اتفقت مع أحد مساعديها على أن يبدأ في ضخ الذهب الأسود عندما تقوم هي بضرب الصخرة بعصاها.. وقد غضبت الحكومة وقتها غضبة زيمبابوية وصدر قرار بسجن الفتاة، ليس لأنها ساحرة – ولا يفلح الساحر حيث أتى – بل لأنها فشلت في تنفيذ المهمة.. يعني لو لم يتم اكتشاف أمرها لكان رزق الهبل على المجانين..!
مناسبة الحكاية أنها – كما ترى – سانحة طيبة لممارسة هواية الكتاب في إسقاط الحكايات وعقد المقارنات بين شجون ومناهج الحكومات.. نحن – كما تعلم – شعب يتعلل سواد حكامه الأعظم بضعف الذاكرة أحياناً للخروج من مآزق الجدل، لكن التاريخ لا ينسى والأرشيف لا يبلى.. إليك إذاً بعض الأخبار التي كانت تتصدر عناوين صحفنا المحلية قبل فترة «إيقاف موظف نافذ بوزارة الأوقاف حاول تعطيل عمل المراجع العام».. «وزير وخمسة من حراسه يعتدون على مدير جهاز الرقابة على العربات الحكومية».. «وزيرة تشتكي من نفوذ أربعة أعضاء بالنقابة الفرعية.. لكنها تؤكد أن الصراع مستمر».. وهي حال لا تزال ماثلة رغم تواتر الساسة وتعاقب القرارات..!
القاسم المشترك بين تلك الحوادث – التي تشبه قراءة أخبارها تناول زجاجة كاملة من زيت الخروع على الريق – على طريقة ماركيز- هو سوء استغلال النفوذ السياسي وليس الحكومي.. بمعنى أن الموظف في مجمل تلك الأحوال يستقوى بتصنيفه السياسي وليس بدرجته في سلم التوظيف الحكومي..!
فالوزير يستمد نفوذه من سلطته الحزبية وليست التنفيذية، لذلك لا عجب في مظالم الوزراء الأعدقاء «الوزراء المنتمون إلى غير المؤتمر الوطني في حكومة السودان ليسوا أصدقاء وليسوا أعداء، فهم إذاً أعدقاء ويسهل جداً أن يتنمر عليهم أي إنقاذي عتيق حتى وإن كان مدير قسم الخدمات في الوزارة»..!
الحاكمون بأمرهم في بلادنا مثل جماعة زيمبابوي، يؤمنون بسحر التمكين والتعطيل، وبركات الولاء والبراء السياسي، لكنهم – أحياناً – يغضبون من أصدقائهم المتجاوزين.. ليس لأنهم أخطأوا.. بل لأنهم لم ينجحوا في إخفاء الفشل..!