منوعات

(سوق ستة) بمايو.. (لو ما رحلتو بنكسرو فوق رأسكم).. وأشخاص يحملون تصاديق دكاكين لا علاقة لهم بالسوق


(سوق ستة) بمايو.. (لو ما رحلتو بنكسرو فوق رأسكم)
التجار: أشخاص يحملون تصاديق دكاكين لا علاقة لهم بالسوق

ما أن تدلف وتطأ بقدميك هذا المكان حتى يتبادر إلى ذهنك سؤال هل أنت بالعاصمة أم خارجها؟، لا لشيء سوى تركيبة هذه البيئة التي تدهشك بغرابتها في كل شيء تلحظه من تلك الوجوه التي لفحت أشعة الشمس ألقها والأتربة الملتصقة والعالقة التي أبت إلا أن تسكن في ثيابهم الرثة المرهقة بسنون الزمن.. لا ندري لماذا لم تفارقهم؟ أيهابون من نظافتها أم خوفاً عليها من التمزق الذي قد يعتريها جراء ذلك علماً بأنهم يستخدمون ما لفظته أيادي الطبقة العليا يتساوون في درجاتهم المعيشية يتعاملون بروح الإخاء رغم تكدر العيش هناك.. هي جزء من منطقة تقع جنوب الخرطوم تسمى سوق ستة بمايو (بشائر) وجوه مجهدة إجتمعت عليها الأشعة والسهر كله للبحث عن الرزق الحلال.. هم كذلك يعيشون في كنف البساطة تغطيهم الطيبة يتحلون بالصبر ويؤمنون بالرضا بالمقسوم يتخذون من ذلك السوق باباً يطرقون من خلاله ليحصلوا على أرزاقهم هيئتهم وأنت تنظر إليهم عن قرب يسودها الطابع (القروي) يصطفون على جنبات وداخل (الرواكيب) يفترشون بضائعهم عليها هي في حد ذاتها تلك (الرواكيب) تتكون من فتات وبقايا (قش) أو (حصير) يعرشون به أعمدة (عيدان) تقف عليها هذه (الحشائش) وأيضاً يتخذون من جوالات (الخيش) غطاء يحجب عنهم تلك الحرارة لكن كيف ذلك وهم يجوبون أرجاء المكان بأقدامهم تارة هنا وأخرى هناك غير مبالين بها ولا يعيرونها أدنى إهتمام لكن ما حدث فوق حدود إحتمالهم التي فاقت كل الحدود.. نعم كذلك يواجهون أكبر خطر يلحق بهم ولا يملكون حق الدفاع عن حقوقهم خطر أن ذلك العالم أقصد السوق الذي يحوي بداخله كثيراً من القصص بدأ ذلك المأوى يكاد أو فلنقلها سقط وتهاوى بمجرد أن جهات الإختصاص بهذه المنطقة أرادت أن تقوم (بتخبيط) أي تخطيط تلك الرقعة الأرضية وإعطائهم فرصة بدأت بعد الشهر الكريم السابق جاء إخطارهم بذلك النبأ.. نبأ الرحيل والفاجعة بالنسبة لهم وإعطائهم أماكن مؤقتة يزاولون فيها أعمالهم هي في الأساس أراضٍ لمواطنين آخرين لا يريدون لهؤلاء أن يحتلوا أراضيهم، هذا يعني أن السلطات إستخدمت معهم مصل المسكنات وهي لا تدري بأنهم أذكى من ذلك ويدركون أنها لعبة فإلى تلك الإفادات نذهب:

كانت البداية مع العم/ آدم عثمان الذي يعتبر من المواطنين القدامى في ذلك السوق.. علامات تظهر على وجهه إستخلصنا منها الغضب والدهشة بدأ حديثه بنبرة حزن.. خرج صوته بتلك الكلمات (نحنا نودي عفشنا وين؟) ومن المسئول؟.. سرد تفاصيل حكايته قمنا أنا وبعض التجار بدفع رسوم تقدر (5) آلاف جنيه عام 2007م هي نظير إمتلاك دكان لكل واحد على حدة في ذلك السوق وهذا القرار قرار الإزالة خصماً علينا كما قال على لسان السلطات أن البضائع على مسئولية صاحبها وتم تحويلهم إلى سوق مجاور يسمى (بانقا) مؤقت ونظير الإقامة هناك عليك أن تدفع مبلغاً مالياً يتفاوت ما بين (100- 150) والإيصالات كانت مجاناً في اليوم الأول لكن بعدها إزدادت ونتوقع زيادتها ثانياً يمكن لنا أن نتحمل هذه (الجهجهة) لكن نخشى على أماكننا داخل السوق من إنكارها بعد التخطيط علماً بأن السوق لا لطرح البضائع فقط بل هو مأوى وسكن للبعض الآخر الذي لا يمتلك منزلاً يقيم فيه وفي حالة عدم الخضوع لهذا القرار سيقومون بهدمه عليهم (لو ما رحلتو بنكسرو فوق راسكم) نحن حق الترحيل لا نملكه.. وأخذنا رأي أصحاب محلات لبيع الملاسب داخل السوق ذلك الشاب الثلاثيني صلاح محمد إبتدر حديثه قائلاً نحن من ضمن الذين قاموا بعمل إجراءات من عام 2007م هي عقودات لتمليك عندما يتم التخطيط الرسمي وأنا أوافق على هذا القرار لأنه يضمن لي محل داخل السوق (يعني أحسن من الرواكيب دي) لكن هذا الرأي خالف كثيراً من الآراء التي تضررت من هذا القرار خوفاً على ضياع أماكنهم بذلك المكان الذي قضوا فيه أكثر من (20) عاماً.. وأيضاً أثناء تجوالنا وجدنا العم صالح جار النبي بدأ حديثه (نحنا ما عارفين حقيقة السوق ده شنو؟) وإحتمال هذا السوق بعد التخطيط يخرج له أصحاب آخرين ونحنا نضيع ساكت وحتى اللجنة المسئولة عن التنفيذ غائبة فقط يوجد العمال وهم لا يدرون شيئاً سوى العمل على إنشاء هذا السوق (بالزنك) ونحن بعد العقودات التي قمنا بإجرائها لا ندري ماذا بعد؟.. ورأي آخر لمواطن يعمل بالسوق القديم ويرى أن المساحات بالسوق الجديد المؤقت لا تسعهم ولا يستطيعون عرض بضائعهم لضيقها علماً بأنها أراضي ملك مواطنين لا علاقة لهم بنا ولا ندري ماذا سيحل بنا عندما نذهب هناك ونحن قمنا بدفع مبالغ للمحلية على تلك المساحات.

وأيضاً أخذنا رأي العم الطاهر عثمان يعمل ترزياً بالسوق أكثر من (20) عاماً قائلاً: بالأمس زارني أحدهم لأقوم بحياكة جلابيته فسقطت مجموعة من الأوراق كان من ضمنها (4) عقودات تمليك دكاكين بالسوق وهو لأول مرة يأتي لهذا السوق ولا يدري أين يقع سوق ستة جاءت به الصدفة هنا وعلماً بأن لدي معرفة بأصحاب المحلات جميعهم وهو ليس منا وهو غريب عنا هذا ما بعث في نفسي الشكوك التي راوضتني من أن ذلك السوق له ملاك آخرين غيرنا ونحن إذا تركنا هذا المكان ربما لا نرجع إليه مرة أخرى ربما نعود كمستأجرين فقط ونحن ملاك لدينا عقودات مؤقتة للتمليك لاحقاً.

أما العم هارون علي فقال: (أنا بقيت قاعد ساكت) ونحنا من القرار دا صدر بقينا (مجهجهين) وما قادرين نشتغل.. الناس عموماً أصبحت مذبذبة في القدوم إلينا نسبة للترحيل وبعض منا إتخذ من منزله ملجأ له حتى يرى ماذا يحدث يراقب فقط من بعيد كما قاطعنا أحدهم بقوله: (دا ظلم عديل كدا) ناس ما عارفين السوق وين وجايين يشيلوا حق المسكين القاعد ليهو (25) سنة لهجته في الحديث نابعة من الحسرة التي أصابته وألجمت البعض الآخر فنجد آخرين يضعون أياديهم مكتفة داخل هذه (الرواكيب) ينتظرون ماذا سيحدث.

التقينا بسليمان إدريس الذي سرد لنا قصته وتبدو على نبرة صوته علامات الأسى والحزن بقوله: (أنا هسه في جيبي ما عندي ولا جنيه أعيش كيف؟) أنا كفيف وعندي دكان ملابس بسترزق منه وراضي بالبقسمو ربنا لي والحمد لله كنت عايش مبسوط ومرتاح بالرغم من إني كفيف لا أبصر شيئاً وأتحسس الأشياء فقط وأنا أعمل داخل هذا السوق قرابة الـ(25) عاماً وأصبح هذا السوق بمثابة المأوى بالنسبة لي المحلية طلبت مننا نعمل عقودات لإستمرارية العمل داخل السوق، أخطرتنا بقرار العقودات قبل رمضان وقالوا: (لو ما عندك قروش يومك فات) وكان المبلغ قدره (5) آلاف جنيه وكان ما عندي هذا المبلغ قررت الحضور في يوم تاني وأدفع قروش القرعة.. قالوا لي دا آخر يوم ويبقى خلاص إنت ما عندك أي حق تاني وبذلك أكون فقدت الأمل.. الآن فقدنا أماكن أكل عيشنا ولا ندري ماذا سوف يحل بنا وسعر العقودات الآن ما يقارب الـ(18) ألف جنيه من أين نأتي بمثل هذا المبلغ ونحن تجار بسطاء نسترزق باليوم والآن نحن منتظرين ربنا يفرج علينا ما عندنا أي حل غير ننتظر وحتى الدكاكين التي تنشأ الآن لا ندري هل يكون لنا فيها حق أم لا.. ولا نعرف لها أي حقيقة.. لم نبعد عنه كثيراً إلا ووجدنا ذلك الرجل الذي يتخذ من تلك (الراكوبة) مقراً ليعمل به وأمامه كانت (ماكينة الخياطة) عندما ألقينا نظرة إليه وجدته (يؤشر) لأحدهم حينما إقتربت منه والقيت عليه التحية ليردها علي بالكتابة أرضاً فتبادر إلى ذهني أنه (أبكم) لا يستطيع أن يسمعني ولكن لا يرد عليّ إلا بالإشارات والكتابة على الأرض.. فسألته عن اسمه.. فكتب إليّ أبوبكر محمد حماد يناهز عمره الـ(60) عاماً، وكان هنالك رجل يقف إلى جوارنا فقال لي هذا الرجل يدعى أبكر وهو معروف لدى جميع السوق، يعمل ترزي لأكثر من (17) عاماً وطيلة هذه الفترة لم يخرج من السوق يعمل طيلة النهار على (حياكة الملابس) وفي الليل ينام داخل مكان عمله إنبعثت منه إشارات عدة وهو يدلني على ماكينته التي تهشمت و(راكوبته) التي سقطت أرضاً لا يدري إلى أين يذهب.. يكاد ينطق من شدة الغضب ويشكو ضيق الحال وما ألم به وليس لديه من يعينه أو يحتويه بعد الذي حصل.

سلمى الطيب- مودة جعفر
صحيفة السياسي