الصادق الرزيقي

معضلة التخطيط الإستراتيجي!


> يحتار المرء في أننا نمتلك إمكانات كبيرة على استفراغ الجهد في الجهد النظري لقضايانا ومشكلاتنا التي تعيق تقدمنا إلى الأمام، في وقت نعجز فيه تماماً عن التماس الكيفية والسبيل لتطبيق الخطط والبرامج التي ستنتشلنا من القاع وتصعد بنا للقمة. أمس في اجتماع دورة الانعقاد للعام 2015م للمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي التي تم فيها عرض تقرير قياس التقدم في تطبيق الخطة الخمسية الثانية التي طُبقت منذ العام 2012م، فقد بدا واضحاً أن هناك تقدماً في قطاعات حيوية كثيرة كما جاء في التقرير، ولكن لا يلحظ المرء تقدماً ملموساً ومحسوساً يمكن قبضه في اليد، فبلادنا لا تزال تعاني من التخلف الخدمي والتراجع الاقتصادي وقلة فرص النمو لإدارك من سبقنا من الأمم..
> نحن نملك عقولاً جبارة من أفضل العقول في العالم، ونتملك رؤية في مستوها النظري لا غبار عليها، ونعرف جيداً ما هي الأولويات وأسبقيات التنمية والنهضة، ونعرف ما ينبغي علينا فعله، لكن هناك كوابح وقيود تكبلنا وتمنعنا التحرك بخطوات واسعة للأمام. نشكو كلنا من ضعف الأداء التنفيذي وقلة النتائج الجيدة وعدم وصولنا إلى مرحلة تعافٍ اقتصادي ننطلق منها للأفضل. هذه كلها مشاكل نعيشها ونجدها أمامنا كل يوم ولا ندري كيف يتم تجاوزها؟..
> العقول السودانية في مختلف المجالات التي يضمها المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي من التنفيذيين والدستوريين والخبراء والعلماء والفنيين وأهل الدربة والحل والعقد، يمكنهم حل مشكلات العالم كله وليس السودان وحده، لكن لماذا يصاحبنا الفشل والعجز، ويمشي في ركابنا ولا يريد الفكاك منا ولا نستطيع مفارقته؟..! لابد أن هناك علة ما.. خطب ما.. وخلل ما ..!
> جولة سريعة لتفحص الوجوه والأسماء في اجتماعات المجلس بالأمس، كافية لزرع الطمأنينة في القلوب بأن السودان بخير، وبإمكان هؤلاء تقديم كل الحلول المطلوبة ونقل بلادهم إلى مربع آخر غير مربع التردي الاقتصادي والخدمي والتنموي، بإمكان هؤلاء ابتكار الوسائل الممكنة لجعل السودان أفضل بلاد الدنيا وأكثرها رفاهية واستقراراً.. فأين يكمن السبب؟..
> السبب ربما يعود لضعف الإرادة الوطنية، أو نضوب وشحوب الخيال التنفيذي، وعدم وجود كل شخص في مكانه المناسب. فكثير من الخطط والإستراتيجيات والبرامج موجودة في الأضابير والرفوف وفي الذاكرة العامة للدولة وفي أرشيفها وأدراج الدواوين الحكومية، لكن لا توجد جهة خلاقة تحول هذه الرؤى والأفكار والخطط إلى برامج تنفيذية مجتذبة استلهامات عديدة من تاريخنا وتجربتنا الاجتماعية العميقة والعتيقة الغنية بالملهمات..
> نحن نمتلك كل مقومات النجاح، وبمقدرونا قهر المستحيل، لكننا نغرق في ذواتنا ورغائبنا ونعجز عن إكمال كل أعمالنا في أشواطها الختامية وفي نهايات مطافها..
> وثمة ملاحظات مهمة لفائدة الأمانة العامة لمجلس التخطيط الإستراتيجي، أولها أن الجهاز التنفيذي ليس في تناغم كامل مع هذه الخطط كما يظهر من النقاشات والتعقيبات والحماس، فالبعض في الجهاز التنفيذي يبحث في توافق وتلاقٍ ما لديه من برامج وخطط مع المطروح في الخطة العامة للخمس سنوات القادمة او في السنوات الماضية، لا توجد جهة تقوم بعمل التربيط والتنسيق بين المراد إنجازه وعمله وما يجري إنفاذه على الأرض بواسطة الجهة التنفيذية المختصة.
> ما تابعناه من تقارير يوم أمس وما نلمسه كل يوم من أعمال تنفيذية، تنعدم فيه الصلة العضوية والرابط الموضوعي، كلٌ يغرد وحده وعلى هواه، وهذه أزمة كبيرة يجب ملافاتها بمزيد من العمل المشترك والدمج والمواءمة. فلماذا لا تنشأ وحدات في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية مهمتها الأولى هي صب الخطط والبرامج الإستراتيجية وموجهاتها في قوالب البرامج التنفيذية ثم إخصابها حتى تحبل وتلد النتائج المرجوة والمتوقعة؟..
> ما هي الجهة التي من واجبها تفكيك المبادئ والتصورات العامة الواردة في الخطط الإسراتيجية في كل القطاعات، والقفز بها فوق الموانع والعقبات وجعلها تفصيلات وبرامج ذات مستويات متنوعة يتم تطبيقها بشكل متساوٍ ومترافق؟..
> ما ينتظر الدولة اكبر بكثير من العصف الذهني وسوق الكلام الذي يحدث مع كل دورة انعقاد، لابد من بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق ما نصبو إليه وجعل عصارة الفكر والعقل السوداني تخرج من القراطيس والكتيبات والأوراق الى ساحة التنفيذ والعمل..