داليا الياس

احتلال أجنبي “2-2”!


كنت في ذات إطار اعتمادنا الكبير كسيدات عاملات على المعاونات بالمنازل قد استعنت بأحداهن منذ سنوات.. وتصادف لحسن حظي أن حظيت بفتاة طيبة ووادعة ولطيفة المحيا.. بذلت لي احترامها وأدبها وتفانيها، فأسلمتني للدعة والراحة والاطمئنان المطلق في ما يلي أبنائي وبيتي.. وبدأت – لا شعورياً – أعتمد عليها بنسبة كبيرة في كل تفاصيل حياتي بدعوى التفرغ للكتابة!
كنت أغض الطرف عن كل ما يمكنه أن يؤرق مضجعي من تفاصيل صغيرة، ولا أرى فيها إلا ميزاتها العديدة والحق يقال! تجاهلت التغيير الذي طرأ عليها قبل مدة كونها بدأت تستخدم الهاتف الجوال بصورة مزعجة ولساعات طوال.. واكتفيت بتنبيهها كي لا تتغول هوايتها الجديدة على مهامها المنزلية.
المهم.. اكتشفت – حين غرة – أن تلك المكالمات مع أحدهم من بني جلدتها وقد أقنعها بالزواج فجأة!! وها هي تباغتني على استحياء بقرارها الذي لا رجعة فيه، ولا يحق لي إثناءها عنه!
المهم.. تزوجت (سيدون) والعبرات تخنقني.. وسافرت – كمان – لبورتسودان لقضاء شهر العسل !! وأسلمتني للحيرة والإرباك! فعقدت اجتماعاً طارئاً لأهل بيتي وزعنا فيه المهام، وقررنا أن نتحمل المسؤوليات التي كانت تقوم بها لحين إيابها بكل همة ونشاط!
وكانت تلك سانحة طيبة لأكتشف حجم المشاكل والتغييرات الفيزيلوجية التي تسببها زيادة الوزن و(العطالة) طويلة الأمد، وأدرك أن العمر قد تقدم بي كثيراً.. وأن أبنائي أبعد ما يكون عن معنى تحمل المسؤولية والالتزام وحفظ النظام!!
لقد رهنا تفاصيل حياتنا لتلك الوافدة دون أن ندري.. وأصبحت هي الدينمو المحرك لحياتنا دون أن نشعر.. وتذكرت أنني كنت قد بدأت أتلقى تعليماتي اليومية منها كل صباح.. وأستميت في محاولة إرضائها على حساب أبنائي وزوجي.. فقد كانت هي المفضلة التي لا يجوز جرح مشاعرها أو التطاول عليها.. فتجدوني أنحاز لها في أي خلاف، وأطلب منها الخدمات على استحياء، وأنا في كامل الأدب !!
ثم إنها تأخذ ثلث راتبي بالتمام والكمال.. وتقاسمني كل شيء.. وتمضي نهاية اليوم ما بين المحادثات الطويلة جداً في هاتفها الجوال وبين (زي ألوان) – قاتلها الله – حتى أصبحت لا شعورياً أفكر في وضع نقطة حمراء واضحة الاستدارة على جبيني، بينما يقضي صغاري جل وقتهم في الرقص و(التنطيط) والغناء، وتبادل بعض العبارات باللغة الهندية!!
عموماً، رغم احتشادي بالحنق علي نفسي كوني سمحت لوافدة أجنبية مجهولة بإحكام قبضتها على حياتي.. ورغم إدراكي المتأخر للكثير من السلبيات المتعلقة باستخدام مديرة منزل (حبشية) تحاول أن تصبح (هندية)، إلا أنني أعترف بافتقادي لها.. ورغبتي الصادقة في عودتها.. ولا أعدكم بالتفكير في الاستغناء عنها.. ولكني فقط أتساءل عن دورنا في مواجهة هذا المد المتزايد.. علماً بأنها مثلاً قد قامت بكل طقوس الزواج السوداني المعتادة.. وبدأت تتعامل فعلياً مع السوداناوية كجنسية، ولم تحدثني مطلقاً عن رغبتها في العودة يوماً ما لوطنها الأم!!
فماذا فعلنا لنحافظ على هويتنا؟ وما هو مستوى فعالية القوانين الصادرة في حق الوجود الأجنبي والسيطرة عليه؟ وهل يتوقف الأمر عند تلك البطاقة الصغيرة غير المجدية التي يحملها أحدهم بمعلوماتها المغلوطة ورسومها الباهظة؟!
فلنفكر في الأمر.. بينما أنتظر أنا (عودة سيدون) على أحر من الجمر، وأرتب أفكاري لأحدثكم عن رحلتي معها لاستخراج بطاقة الوافدين.
تلويح:
فلنتهيأ لنحمل يوماً تلك الصفة المريرة (غريب في بلدي)!


تعليق واحد

  1. غريب والغربة سترة حال ،،، هم الغرباء يا استاذه ولو زحفت الحبشة كلها الي السودان ، لظل السودان سودان والحبشة حبشة ،، بس علس وضعنا المايل وكل يوم ترزلون اخشي بعد عشرة او عشرين سنة السودانيات خدم بيوت في الحبشة ،، والوقت هاداك ياريتوهم يتذكروا معاملتنا الطيبة لهم !