الطيب مصطفى

بين الإنجاز المالي والمصرفي والحوار الوطني


الإمانة التي حملنا بها دون سائر المخلوقات تقتضي أن نشيد بما تحقق من إنجاز في المجال المالي والمصرفي من خلال القرار الذي أصدرته مجموعة العمل المالي الدولية بإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وهو أمر قد لا يدرك إبعاده الا المكتوون بالقيود المفروضة على التحويلات البنكية من وإلى السودان وهو خطوة في الاتجاه الصحيح من شأنها أن تؤثر على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد بما في ذلك حركة المال والاستثمار الذي يعاني أيما معاناة جراء العقوبات المفروضة على السودان.
لا شك أن هناك جهداً كبيراً بُذل في مجال التشريعات واللوائح والاجراءات خلال السنوات الأخيرة أفضى إلى هذه الخطوة التي لا غنى عنها في سبيل تحقيق إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الوطني بالنظر إلى أن الاقتصاد قد عانى كثيرًا خلال السنوات الأخيرة الأمر الذي أصاب الاستثمار الأجنبي في مقتل وبات تحويل الدولار إلى الخارج معضلة كبيرة تحتاج إلى عمليات (التفافية) باهظة الكلفة على السودان وعلى أصحاب التحويلات وحدثت حركة نزوح كبيرة لرؤوس الأموال حتى من رجال الأعمال السودانيين إلى دول أخرى وكف كثير من المغتربين السودانيين عن تحويل أموالهم إلى السودان، أما المستثمر الأجنبي فقد أصبح إقناعه بالاستثمار في السودان ، جراء العجز عن تمكينه من استرجاع أمواله وتحويلها إلى الخارج ، أمرًا بالغ الصعوبة.
أعلم أن القرار الأخير بإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في نظام مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب يعتبر خطوة مهمة في الطريق الصحيح وأثق أن من أنجزوا هذا العمل الكبير خاصة في وزارة المالية وبنك السودان بدأب محمود يستطيعون استكماله بذات الروح، ولكن هل هذا يكفي أم إن السياسة الدولية تصر على حشر أنفها من النافذة؟
نعلم أن أمريكا التي كانت جزءاً من قرار إزالة اسم السودان لا تزال تتربص بنا الدوائر من موقع آخر باعتبار أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان تتطلب حزمة من المطلوبات التي تحتاج الى جهد آخر من تلقاء وزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات والأجهزة السيادية بغرض التطبيع مع ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي تقف أمريكا وصويحباتها على رأسه، فمشكلة العقوبات المفروضة على السودان وإدراج السودان في قائمة الإرهاب مثلاً يحتاج تجاوزها إلى مطلوبات سياسية أثق أن المضي قدماً في الإصلاح السياسي وإزالة الاحتقان ووقف الحرب من خلال الحوار الوطني يعجّل بحلها، فهل تقدم الحكومة على ذلك أم تظل في عنادها القديم؟
أكون متشائماً وغير صادق إن أنكرت أن هناك تقدماً كبيراً منذ التئام الحوار الوطني الذي بدأ في العاشر من أكتوبر الجاري، فلأول مرة أتيح للمعارضة إقامة الندوات السياسية خارج دورها، وثبت للحكومة أن ما كانت تتخوف منه مجرد أوهام دفع السودان ثمناً باهظًا جراء التمسك بها سواء في مؤتمر حقوق الإنسان الذي انعقد مؤخرًا في جنيف أو في دوائر صنع القرار في أمريكا وأوروبا، فقد قال رئيس البرلمان بروف إبراهيم احمد عمر إن المسؤولين الأمريكان استفسروا خلال زيارته الأخيرة لأمريكا عن بعض القيود التي مارستها الحكومة على حرية التعبير.
لم يبق شيء كثير لاستكمال مطلوبات تهيئة المناخ من أجل جعل الحوار شاملاً يحقق الآمال العراض التي نرنوا إليها جميعاً ولا أظن أن الرياح هبت منذ زمن بعيد في أشرعة الحكومة كما يحدث الآن فالجبهة الثورية تعاني من سكرات الموت بعد أن انفض سامر تحالفها الهش ولا يوجد أدنى سبب يجعل الحكومة وحزبها الحاكم يغرقان في (شبر موية) ويتعنتان في أمر اللقاء أو المؤتمر التحضيري في أديس أبا والذي من شأنه أن يمهد لنجاح الحوار فالأهداف الكبرى لا تعطل بسبب الوسائل الصغيرة والفرائض لا تعطل بسبب الاختلاف حول النوافل.
إني والله، باسم منبر السلام العادل مثلاً، لأتوق للانخراط في الحوار الوطني حال مشاركة الأحزاب والقوى الأخرى خاصة الحاملة للسلاح ذلك أن مشاركة المقاطعين من شأنها أن تجعله حواراً شاملاً كما أريد له عندما دعا له الرئيس في يناير من العام الماضي سيما وأننا، ومعنا أحزاب كثيرة ، لا نرى داعياً أصلا لحوار لا يوقف الحرب ويحقق السلام وينقل السودان إلى مربع جديد يثوب أبناء السودان جميعاً فيه إلى تداول سلمي عبر صندوق الانتخابات بعيداً عن الاستقواء بالسلاح الذي ألقى بالسودان في مهاوي التخلف والتقهقر بعد أن كان مرشحاً ليتبوأ مكاناً علياً بين الأمم عشية الاستقلال.