جعفر عباس

الأمية كادت تجعلني «أصير موت»


كتبت أكثر من مرة معرباً عن حزني لأنني لا أتمتع بمهارات يدوية، ولا قدمية (من القدم التي هي نهاية الساق/ الرجل)، ولا أستطع إصلاح أي عطل يلحق بأي شيء في البيت، بل إن ضرب مسمار طوله سنتيمتران على لوح خشبي يكلفني بضعة مسامير وإصابات في أصابعي.
وقد يقول قائل: لا ذنب لك في ذلك لأنّ معظم الأشياء التي تحتاج إلى إصلاح وصيانة لم تكن موجودة على أيام صباك وطفولتك! هذا صحيح فعندما كنا صغارا لم تكن هناك أنابيب ماء وحنفيات، وبالتالي لم تكن هناك بالوعات، وكنا نستحم في «الطشت» ثم نسكب الماء الناجم عن الاستحمام في أي ركن في البيت أو الشارع، ولم تكن هناك أدوات كهربائية، دعك من كل هذا، والله لم أتعامل مع البطانية إلا بعد دخول المدرسة المتوسطة وقبلها كانت أغطية البرد في بيتنا وكل البيوت حولنا تصنع من جلود الماعز بعد دبغها (وتسمى الفروة) وبالتالي كان من المألوف أن يستيقظ الواحد من النوم وفمه مليء بشعر الغنم المتساقط من الفروة، وفي المدرسة المتوسطة وفرت لنا الحكومة السكن الداخلي وأعطتنا بطانيات وكانت تلك طفرة حضارية كبرى في مسيرة حياتي.
أعرف أن ملايين العرب مثلي يحملون شهادات ذات أسماء طنانة ولكن لا يحسنون استبدال اسطوانة الغاز الفارغة بأخرى ممتلئة، لأنّ النظام التعليمي لم يمنحنا أي مهارات يدوية، وبكل خجل أقول إنني صحوت ذات صباح ووجدت أحد إطارات سيارتي مسطحاً أي فارغاً من الهواء، أي مبنشرا كما يقال بالعربيزية لأنّ أصل الكلمة الإنجليزي «بنكْشر وليس بنشر»، وأخرجت المعدات اللازمة لفك الإطار المعطوب ورفع السيارة بالجيك (والصحيح في اصلها الإنجليزي «جاك»)، واكتشفت أنه لا بدَّ من ربط مكونات الرافعة/ الجاك بطريقة معينة قبل استخدامها، وأمضيت قرابة الساعة وأنا أجرب مختلف الطرق لتجميع أجزاء الرافعة، وفشلت كل «التجارب» فلجأت إلى التكنولوجيا، واتصلت بأحد أصدقائي على هاتفه الجوال وقلت له بكل بجاحة: عايزك في موضوع ضروري وعاجل.
انزعج الصديق وانطلق بسيارته حتى بلغ بيتي خلال دقائق معدودة، وما أن رآني حتى صاح: خير.. شنو الحكاية؟ وتعجب عندما وجدني ابتسم.. قلت له بصوت يحنن قلب نتنياهو، إنني لا أعرف كيف استبدل إطار السيارة الفارغ بواحد ممتلئ بالهواء، وحسب صاحبي في بادئ الأمر أنني «أهزر» وأتغشمر ولكنه نظر إلى السيارة وأدرك أنني «جاد» فاستشاط غضباً: أسيب شغلي عشان واحد زيك فاشل ما يعرف يفك ويركب إطار السيارة؟ والله.. ولكنني لم أتركه يكمل، لأنني أعرف بحكم أنني سوداني ماذا ستكون الحلفان/ القسم، وتوسلت إليه أن يفك ويركب الإطار لأنني فعلاً «فاشل».
هدأ صديقي قليلاً وقدم لي عرضاً لم استطع أن أرفضه، وهو أن يشرح لي طريقة تجميع الرافعة والفك والربط على أن أتولى باقي المهمة بنفسي، وتركني وذهب، وقمت بفك الإطار الفارغ وربط الإطار الاحتياطي مكانه، ثم توجهت إلى محل «بنشر» لتعبئة الإطار الفارغ بالهواء، ولحسن حظي انتبه العامل في المحل إلى الإطار الذي توليت تركيبه بنفسي وقال: منو حمار هادا يسوي تاير (إطار) هادا شكل.. سيارة يروح تلاتة أربعة كيلو تاير يروح صوب وسيارة يروح صوب وانت يصير في موت!!
كان الإطار بالمقلوب، الجزء الخارجي منه «إلى الداخل»، ومن فرط خجلي قلت له إنها سيارة زوجتي، وأنها لا تعرف حتى قيادة سيارة لعبة بالريموت كونترول.

jafabbas19@gmail.com