الصادق الرزيقي

سودنة العمل الطوعي


> من كان يظن أن مصطلح (سودنة) يمكن أن يبعث من مرقده مرة أخرى ويطل في التداولات الرسمية ويتجلى مفهومه في الشأن العام، بعد أن طره الزمن والتاريخ. بالأمس نفخ منتدى مجلس الوزراء حول توطين العمل الطوعي والإنساني الروح في هذا المصطلح، وعاد مطلاً بوجهه بشوشاً..
> جزء من نهار أمس قضيناه في رئاسة مجلس الوزراء في تداول ونقاش في المنتدى الذي ترأسه السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن/ بكري حسن صالح وبحضور وزراء اتحاديين وعدد كبير من الخبراء والمختصين المسؤولين من الشؤون الإنسانية والعمل الطوعي والمنظمات الوطنية، لمناقشة قضية مهمة هي كيفية توطين العمل الطوعي والإنساني وسودنته، تحت شعار (معاً لقيادة وريادة العمل الطوعي والإنساني). الموضوع مهم للغاية وحيوي ويحتاج لجلسات أطول ومدارسات عميقة في شأن بات من أهم المداخل للقوى الخارجية للتدخل في الشأن الداخلي، وحشر أنفوهم في القضايا المحلية.
> قُدمت في المنتدى بعد حديث النائب الأول وكلمتين مفتاحيتين لوزير مجلس الوزراء ووزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي، ورقة جامعة وصفت بأنها مفاهيمية لكيفية توطين العمل الطوعي والإنساني في البلاد، وجرى نقاش طويل وعميق حول ما ورد في الورقة، التي قدمها الاستشاري أحمد محمد حسن مسجل عام المنظمات الطوعية، وابتدر النقاش فيها الأستاذ كمال عبداللطيف الوزير السابق وأمين المنظمات في الحزب الحاكم والبروفيسور عبدالرحمن أب دوم الخبير المعروف في هذا المضمار، وتتكون الفكرة المركزية في المنتدى وورقة المفاهيم، حول استعداداتنا لقيادة العمل الطوعي والتخلص من المنظمات الأجنبية، واستنباط تجربتنا الخاصة من تاريخنا وريادتنا في هذا المجال، وهي تجربة راسخة من قديم الزمان، كما قالت الورقة.
> لكن ثمة جوانب مهمة تقتضي النظر إليها بدقة في تهيئة كل قدراتنا وظروفنا من أجل التوطين، فنحن نحتاج إلى تشريعات وبناء قدرات المنظمات الوطنية وتوفير التمويل اللازم ونشر ثقافة العمل الطوعي واستنهاض قيمنا الحضارية وإعداد الإستراتيجيات والخطط لبلوغ هذه الغاية. فنحن بالفعل بلد رائد في مجال العون وإغاثة الملهوف والاستضافة وإطعام الطعام وتوفير المأوى وإكرام الوافد والضيف، وباعتراف الجميع في محيطنا الإقليمي الدولي، لا توجد دولة في العالم تحملت اللجوء والهجرات والإقامة المستديمة مثلما فعل السودان عبر الحقب التاريخية المختلفة حتي أنتجت ثقافتنا الشعبية أمثالاً وأشعاراً وقصصاً ومرويات، فهي محمول قيمي تتلاطم أمواجه حتى اليوم.. ولذا نحن الأجدر أن نقدم اليوم عصارة هذه التجارب ونتقم خطوات جادة لبناء نظام جديد للعمل الطوعي من التشريعات إلى الآليات والأهداف والخطط والبرامج والوسائل والمفاهيم، يضيف للتجربة الإنسانية بُعداً جديداً..
> أما لماذا الحرص على ذلك وبأسرع ما يتوفر؟.. فنحن جميعاً شهود على ما فعلته وتفعله المنظمات الأجنبية التي دخلت إلى بلدنا في فترات مختلفة، وحتى اليوم. وبرغم ما قُدم في مجال العون الإنساني، فقد كانت هذه المنظمات تخدم أهدافاً أخرى ليست كلها لصالح العمل الطوعي المحض. الأجندات السياسية وخدمة الأهداف الحضارية التي تمثلها المنظمات الأجنبية وعقائدها الدينية، كانت حاضرة على الدوام، وما تفعله وفعلته هذه المنظمات في دارفور وجنوب كردفان، ومن قبل في الجنوب قبل انفصاله، أمر لا يمكن نسيانه أو التغافل عنه. فأزمة دارفور التي صرفت فيها المنظمات الأجنبية وعددها «97» منظمة ووكالات الأمم المتحدة أكثر من خمسة عشر مليار دولار، وكان هذا المبلغ كفيل بجعل دارفور جنة في إفريقيا جنوب الصحراء، لكن المنظمات الأجنبية تأتي لتخدم أهدافها هي وتصرف 80% من الأموال والميزانيات في راحة موظفيها وخدماتهم الخاصة وبقية المصروفات الإدارية، فضلاً عن الاستلاب الثقافي ومحاولة مسخ ثقافة وقيم النازحين وسكان المعسكرات وإدخال قيم جديدة وتغذية النعرات العنصرية والعرقية وإذكاء روح التمرد ضد الدولة وتفتيت عرى المجتمع وفصمها، وبعض المعسكرات اليوم في دارفور تمثل أبلغ دليل على خطورة ما فعلته المنظمات الأجنبية في بلدنا..
> ما خلص إليه المنتدى من توصيات وملاحظات حول الورقة وما قيل خلال نهار أمس، يجعل المرء يطمئن إلى أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وهناك إرادة قوية من الدولة والمجتمع للعمل معاً لقيادة وريادة العمل الطوعي. فتوجد الآن أكثر من «10,500» منظمة وطنية تحتاج إلى تأهيل وترقية وبناء قدرات وتطوير أساليب ووسائل عمل وإقامة صناديق للتمويل ومنافذ لجذب التبرعات والعون. فلسنا عاجزين عن إطعام جائعنا أو كساء العريان أو توفير المأوى لمن لا مسكن له. .


تعليق واحد

  1. (( فتوجد الآن أكثر من «10,500» منظمة وطنية تحتاج إلى تأهيل وترقية وبناء قدرات وتطوير أساليب ووسائل عمل وإقامة صناديق للتمويل ومنافذ لجذب التبرعات والعون ))
    هل هناك بلد محترم في العالم به هذا العدد من المنظمات الطوعية ؟؟ دعك من المنظمات الأحنبية هل نحن شعب من المعاقين أم انها نافذة للتهرب الجمركي و الضريبي ؟؟