الصادق الرزيقي

نشـــــاط الحــركـــة.. نــــــدوات الأســـواق.. الألمــــدا.. مـــــادبـــو..


المؤتمرات التنشيطية..
لن يتجادل اثنان في أن المؤتمرات التنشيطية للحركة التي تجري هذه الأيام وشملت عدة ولايات، ستكون لها ثمار طيبة في المجتمع وفي تحقيق مقاصد الأمن والطمأنينة والسلام والتعافي الاجتماعي. وأبلغ دليل على أهمية ونجاح هذه المؤتمرات، أنها أعطت الرسالة المطلوبة في ولايات تعيش أزمات اجتماعية وأمنية ضاغطة، مثل ولاية شرق دارفور. فقد نجح المؤتمر التنشيطي للولاية لأول مرة في جمع كل أهل الولاية بعد طول تخاصم واحتراب سالت فيه دماء عزيزة من الأطراف المتناحرة، وهذا هو الدور المطلوب من الحركة الإسلامية أن تُصلح ذات البين وتقود المبادرات الكبيرة التي تحقن الدماء وتعلي من قيم الإخاء والتعايش والترابط، وترسِّخ قيم وفضائل الدين وتحفِّز المجتمع على القيام بواجباته ودوره..
لم تجد هذه المؤتمرات التنشيطية رغم أهميتها الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام والصحافة. فالأثر الذي تصنعه اليوم في الولايات مهما كان هو أثر طيب وكبير وعمل ضخم لا بد من متابعته ودعمه ومواصلة الجهد فيه، ومن فترة طويلة لم نشاهد قيادات من الحركة الإسلامية بهذا المستوى تجوب الفيافي والوهاد وأنحاء السودان المختلفة في رحلة بلاغ ودعوة وتبصير، منذرة ومبشرة. ومن لا يعرف كيف هي الأوضاع في بعض الولايات وما هي حقيقة الأزمات في المجتمع، لا يعرف إلى أي مدى هذه المؤتمرات التنشيطية سيكون لها تأثير كبير في الحياة العامة لو وضعت البرامج وحددت الأهداف بدقة، وتواصل العمل وتمت تصفية النفوس من ما علق بها واجتهدت الحركة في بناء صفها وتجديد نشاطها.
ندوات الأسواق والمواقف
يجب ألا يختلف الفرقاء في الساحة السياسية حول كيفية ممارسة الحريات وتنظيم الندوات ومخاطبة الجماهير. ففي أعرق وأقدم الديمقراطيات في العالم، تنظم القوانين والتشريعات كيفية تنظيم اللقاءات السياسية الجماهيرية والتواصل مع القادة، فالحرية السياسية ليست فوضى، ولا مكان فيها لإجبار الجمهور على السماع للرأي السياسي في أي زمان ومكان، كما يحدث عندنا بمحاولة بعض الأحزاب والتكوينات السياسية إقامة مخاطباتها السياسية في الأسواق والمواقف العامة للمواصلات، فلكل شيء مكانه وزمانه حسب مقتضى الحال والقانون.
إذا كانت الحكومة على لسان الرئيس قد أعلنت السماح للأحزاب بتنظيم ندواتها ونشاطها السياسي سواء أكان داخل دورها ولها كامل الحرية فيه أو خارج الدور في الساحات العامة بالحصول على تصديق من السلطات المختصة حتى تقوم بواجباتها كسلطات محلية لفائدة أصحاب الندوات أنفسهم، فإنه من غير المعقول أن تلجأ الأحزاب خاصة قوى المعارضة إلى مزاحمة المواطنين والتضييق عليهم وإزعاجهم وهم يتسوقون أو يبحثون عن حافلات تقلهم إلى منازلهم، ولا يوجد مثل هذا السلوك في أي مكان في الدنيا إلا إذا كان الغرض منه ليس ممارسة الحرية السياسية، وإنما التحريض والتهريج والفوضى أو التظاهر.. وحتى لا نتقهقر إلى الوراء، علينا جميعاً ترشيد ممارستنا للحرية بانتهاج الأساليب الصحيحة. لأنه إذا تراجعنا للخلف، سنفقد ما نحن فيه الآن!!
الألمــــدا
ليلة الخميس في مركز الفيصل الثقافي بحي الرياض بالخرطوم، كان ليلة مترعة بالعلم والمعرفة والتاريخ والمدارسة العميقة في التركيبة الاجتماعية بالسودان، خاصة في شرقه، فقد كنا في حفل تدشين كتابين (الوجيز في تايخ الألمدا وتراث بني عامر.. الإيضاح في تاريخ الألمدا) لمؤلفهما المهندس سليمان فايد محمد فايد، بحضور عالمين جليلين يمثلان قامتين من قامات الفكر والثقافة والبحث والتاريخ في بلدنا، البروفيسور يوسف فضل حسن، والبروفيسور فيصل محمد موسى، وهما من قدم للكتابين وأفادا المؤلف بإضافات قيِّمة.
الالمدا أبرز بطون قبيلة البني عامر في شرق السودان، قبيلة لها تاريخ عريق وتراث ضخم ودور كبير لعبته في تاريخ البلاد وصياغة شرق السودان. وحسب ما جاء في الكتاب القيم وهو بحث علمي مضنٍ استفرغ فيه المؤلف جهداً كبيراً وعملاً دؤوباً خلال عشر سنوات، يرجع أصلها الى أسر حسينية شريفة عبرت في القرن الثالث عشر الميلادي من مكة إلى سواكن ومصوع ومنها لسنار وامتزجت بالقبائل الموجودة في شرق السودان ومصوع بإريتريا، تصاهرت هناك وينتسبون إلى جدهم الكبير الشريف محمود الماضبن منصور بن محمد إبي نمة الأول. وتناول الكتابان التاريخ واللغة والتراث والأصول لبني عامر ثم الألمدا بشكل خاص وعلاقتهم بالشكرية والبوادرة، ثم علاقاتهم مع كل قبائل البجا بشرق البلاد. ويمثل الكتابان فائدة علمية ثرة لا غنى للناس عنها، وقد تحدث في احتفال تدشين الكتاب البروف يوسف فضل حسن والبروف فيصل محمد موسى، عن أهمية مثل هذه الدراسات التي تكشف الكثير عن تاريخ البلاد وترابط مجتمعاته وقبائله. وقدم المؤلف كلمة رصينة للغاية عن كتابيه وجهده الذي بذله، وأعطى إضاءات كاشفة للكثير من مجتمع البجا وقائل البني عامر وتراث هذه المجموعات السكانية وأدوارها في شرقنا الحبيب. وتخللت الليلة أغنيات لفنان الشرق يحيى أدروب ومطرب تراثي آخر بالرطانة واللغة العربية، وقدم الباحث في التراث عصام الترابي كلمة عميقة وألقى قصائد ودوبيت في الجلسة أشاعت الكثير من الحماس وسط الحضور.
يجب أن تهتم وسائل الإعلام والصحف بمثل هذه الكتب والنشاطات القيمة التي تقرب المجتمع السوداني من بعضه البعض، وتكشف الكثير عن الروابط الاجتماعية والأواصر والمصاهرات التي عاشت مع الزمن.
مادبو.. وأي فتى كان؟!
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تيمية لا تنفعُ
وما المال والأهلون إلا ودائع
لا بد في يوم أن ترد الودائعُ
كل منا مثل لطيم الليالي، ملأه الحزن العميق على هذا الفتى الذي غادر الدنيا مخلفاً وراءه كل هذا الدمع الدامي والوجع المقيم في الضلوع.. لقد غادر مادبو آدم مادبو الدنيا في هدوء وانصرف باسماً خاشعاً مملوءاً باليقين في لقاء ربه، وهو الذي عاش عزيزاً في الدنيا مرفوع الرأس كريم القلب والسجايا والحنايا، واسع الفؤاد صدوقاً وصادقاً بار بأبويه وأهله وهو الفتى الذي عاش في المدن وترعرع فيها، لكن تحسبه بأخلاق البادية في السماحة والندى والكرم والشجاعة كأنه قط لم يفارقها..
كل الذين عرفوه توسموا فيه منذ طفولته تلك القدرات القيادية الهائلة والروح السمحاء التي بين جنبيه، كان موصولاً بكل الناس من كل جنس وطائفة ولون.. لم تتسرب إلى نفسه تلك المشاعر البغيضة من غلٍ وحسد وحقد أو ترفُّع، عاش مع الناس وبهم، عرف غمارهم كما عرف كبارهم، يحنو على صغارهم في تدبير، ويجل الكبار في توقير، لم يسمع عنه أنه ذات يوم حدثته نفسه بالتعالي على غيره أو الخيلاء على الناس، فقد رباه أبوه الدكتور آدم محمود موسى مادبو فأحسن تربيته، وتعلم من أهله وأعمامه وأخواله قيماً فاضلة فاضت بها تعاملاته مع الآخرين حتى مات كريماً، بكته الآلاف وساروا في تشييعه واجمين داعين له بالمغفرة والرحمة عند مليك مقتدر.. هذا الفتى وهو زينة الشباب كان ذخراً لأيام قادمات عند أهله ووطنه، كثيرون توسموا فيه الخير ولمحوا أن له في مستقبله شأناً رفيعاً، لسمو خلقه ولعلاقاته الواسعة مع الجميع والاحترام الذي يجده والمودة العامرة له في قلوب من يعرفه، كان صلداً صلباً في كل مواقفه وحتى في اختلافاته السياسية كان صريحاً عفيف اللسان صافي الوجدان لا يحمل ضغينة ولا سوء نية، لكن الموت كان سريعاً اختطفه من بيننا، لعل الله العلي القدير أراد هكذا ليلحق بقوم عنده أرفع وأكرم منا ليبدله الله الخير كله.. وهذا هو العزاء فيه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


تعليق واحد

  1. حتى الرطانة اشراف !! و الله دي بلد ما تتطور و لو بعد مليون سنة .

    كونك سوداني ده أكبر شرف و الأشراف ديل لو عارفين كانو سموا السودان ( بلاد الأشراف ) ما بلاد السودان !! .

    قديتونا قد …