عبد الباقي الظافر

ولأخي تسعة وتسعون منظمة..!!


٭ في ذاك اليوم كان الشاعر الشفيف عبدالله الأزرق غضبان أسفاً وهو يرسل التهديدات أن قوات (اليوناميد) سترحل .. من قرأوا الغضب في تقاطيع وجه وكيل وزارة الخارجية ظنوا أن القوة الأممية لن تبيت ليلتها على التراب السوداني .. إنزلق لسان الوكيل الغاضب حينما اتهم هذه القوات بأنها تخرب الاقتصاد الوطني وذلك برفعها لسعر الدولار ..لم احتمل تلك المعلومة المغلوطة وقلت له يا سيدي الوكيل إن هذه المنظمات الأجنبية بما فيها (يوناميد) تساهم في وفرة الدولار وبالتالي استقرار سعره .. لم يجد الوكيل غير أن يعتذر.
٭ أمس أعلن مسجل المنظمات الطوعية أن المنظمات الإنسانية تساهم في دخلنا القومي بنحو مليار وخمسمائة ألف دولار أمريكي .. السيد أحمد محمد عثمان أكد أن عدد المنظمات الأجنبية في السودان حوالي سبعة وتسعين منظمة من ضمن أكثر من عشرة آلاف منظمة وطنية.. من جهة أخرى رفض النائب الأول لرئيس الجمهورية إنشاء وزارة مستقلة للشؤون الانسانية مفضلاً أن يكون العمل الإنساني تحت مظلة وزارة الرعاية الاجتماعية.. إلا أن سعادة الفريق بكري صالح شدد على ضرورة توطين العمل الطوعي ..التوطين يعني عملياً إخراج المنظمات العالمية المتخصصة وسودنة العمل الإغاثي.
٭ لم أكن أتوقع أن تكون في مصائب قومنا فوائد للاقتصاد السوداني بهذه الدرجة.. مليار ونصف من الدولارات تعادل رقماً مقدراً في الاقتصاد السوداني الذي لا تتعدى حجم موازنته السنوية الست مليار دولار(موازنة العام القادم 61 مليار جنيه سوداني) .. بعد انخفاض عائدات البترول تتربع صادر الذهب على العرش بما يقدر بنحو مليار دولار.. هذا يعني وفقاً للدولة أن أكبر مصدر للعملة الصعبة سيكون من قطاع العمل الإنساني.
٭ في تقديري .. تخطيء الحكومة عندما تتصور أن العمل الإنساني رجس من عمل الشيطان.. وأن وراء كل متطوع عشرة جواسيس.. وأن المنظمات ليست إلا واجهات استخباراتية .. تحت هذا الإحساس الكاذب تم طرد عشرات المنظمات الأجنبية التي جاءت لإغاثة الملهوفين والجوعي والفارين من جحيم الحرب .. تلك المخاشنة جعلت بلدنا يدفع أثمان باهظة .. انطبق علينا المثل الشعبي (جو يساعدوه في دفن أبوه دس المحافير).. صرنا في المخيلة العالمية أن حكومتنا تحارب شعبها وتمنع عنه الغذاء والكساء.
٭ في تقديري أن الحكومة وإعلامها المساند ساهم في عكس صورة غير واقعية لضيوف جلبتهم الكوارث لبلدنا الحار جاف صيفاً.. صحيح أن هنالك ممارسات شاذة ومخالفات جسيمة ترتكبها أحيانا بعض المنظمات – والتبعيض هنا مهم للغاية – إلا أن الناظر بتجرد لتجربة العمل الإنساني الطوعي يجدها تفيض إنسانية .. المجتمعات الغربية عوضت ضعف الأسرة ببناء منظمات مجتمع مدني فاعلة.. المنظمات العاملة في السودان تمول نشاطها بتبرعات أهل الخير وأحيانا بأموال حكومية مقتطعة من دافع الضرائب .. هذه المنظمات غير رفدها الاقتصاد بهذه الأموال تساهم بشكل غير مباشر في توظيف كوادر سودانية في مختلف المجالات.. بالطبع هذا لا يخصم من دورها الأساسي في تقديم العون لمن هم أكثر حاجة.
٭ بصراحة ..ليس مطلوباً من الحكومة أن تضع قيوداً على عمل مائة منظمة أجنبية بدواعي سودنة العمل الطوعي.. عدد المنظمات الأجنبية مقارنة برصيفاتها الوطنيات يمثل أقل من (1%) مطلوب من الحكومة أن تعمل بهمة في تقليل الكوارث وإيقاف الحروب.. عندها ستبحث هذه المنظمات عن بلاد أخرى أشد حاجة.