الطاهر ساتي

تحلل سري ..!!


:: يوم الجمعة بالخرطوم، ألقت قضية بعض المنسوبين سابقا بهيئة الجمارك بظلالها على خطب الأئمة..وأكثر من مسجد، كانت خطبة خطيبه حول هذه القضية المسكوت عنها (رسمياً وعدلياً)، رغم ضجيج الصحف وصخب مواقع التواصل..لقد برأ وزير الداخلية – أمام نواب البرلمان – هيئة الجمارك من تهمة الفساد، وكذلك فعل رئيس هيئة الجمارك..وليس في دفاع الوزير والرئيس عن هيئة الجمارك ما يُعيب غير أنه دفاع عن سياسة بسمارك الداخلية أمام قضية إعلامية تنتقد سياسة بسمارك الخارجية..!!
:: نعم، فالصحف ومواقع التواصل – منذ نصف شهر تقريباً – لم تتحدث إطلاقاً عن فساد هيئة الجمارك، أي لم تتحدث إطلاقاً عن تجاوزات مالية بهيئة الجمارك، وهذا ما يمكن وصفه بسياسة بسمارك الداخلية، وهي سياسة (متفق عليها)..ولكن ظلت الصحف والمواقع – ولاتزال – تتحدث عن إستغلال نفوذ وثراء فاحش لأفراد كانوا في مواقع قيادية بالجمارك ثم تقاعدوا قبل أسبوع ونيف، ثم تحدثت الصحف عن لجنة تحقيق و احالة القضية الى نيابة الثراء الحرام، وهذا ما يمكن وصفه بسياسة بسمارك الخارجية..!!
:: والدكتور عبد الحي يوسف، خطيب مجمع خاتم المرسلين، بعد أن عرض تناول الصحف عن قضايا الإعتداء على المال العام، قال بالنص : (لانسمع بعدها نفياً ولا إثباتاً)، أي عندما تثار قضايا الفساد في الصحف لاتتحرك السلطات المسؤولة عن مكافحة الفساد بحيث تنفي القضية المثارة بالأدلة والبراهين أو تؤكدها بالبينات وتعاقب بالقوانين..وهذا ما عليه حال قضية المنسوبين سابق لهيئة الجمارك، إذ لم تحرك أيه جهة – أو شخص – قضية ضد الصحف، وكذلك لم ينف من أتهموا باستغلال النفوذ والثراء الفاحش..وهذا الصمت يُزعج الصحف والخُطب ..!!
:: وعلى ظلال هذه القضية والسابقات، تساءل خطيب مجمع خاتم المرسلين : ( إنسان سرق المال العام، وثبتت عليه البينة وأخذ بجرمه، كيف نقول له تحلل من هذا المال، لا لك ولا عليك؟)، أي أفتى بعدم جواز التحلل من المال العام في حال (ضبط المختلس)..نعم، شرعا لايجوز التحلل إلا في حال أن يُبادر المعتدي بكشف الإعتداء طوعاً وإختياراً، فالدين دين ستر وتوبة لمن يبحث عنهما.. ولكن ليس من الشرع أن يتم التحلل لمن لم يُبادر طوعاً وإختياراً، أي لمن لم يبحث عن (الستر والتوبة ).. !!
:: ثم القانون الذي يجب يتساوى أمامه الجميع، واضح وصريح .. جريمة إعتداء الموظف العام – عاملا صغيرا كان أو قيادياً كبيراً – على المال العام، يُعاقب عليها هذا القانون بالسجن أو بالسجن والغرامة أو بالإعدام، حسب تقدير المحكمة لحجم الجريمة،هكذا النصوص القانونية..ولم تشمل النصوص عقاباً من شاكلة ( التسوية) أو (الجودية) أو (التحلل)..وبما أن هناك اتجاه بتحويل قضية المنسوبين سابقا لهيئة الجمارك الى نيابة الثراء الحرام، كما قالت التيار ولم تنفها السلطات، فليس هناك ما يمنع التذكير بان التحلل – سراً أو جهرا – لا يجوز إلا حين يُبادر المتهم بالإعتراف طوعاً وإختياراً، وليس حين يُقبض عليه ويعترف بعد التحري والتحقيق..!!