عبد الباقي الظافر

هل أتاك حديث المجاعة !!


وقف الحاكم الشاب إبراهيم دريج للمرة الأخيرة أمام مكتب وزير رئاسة الجمهورية الدكتور بهاء الدين محمد إدريس يطلب لقاءً عاجلاً مع الرئيس القائد ..كان ذاك في العام ١٩٨٣، وكل الشواهد تقول إن الكارثة قادمة..والي دارفور جاء ليبلغ الرئيس أن المجاعة شملت الإقليم الكبير ..وأن الأهالي بدأوا ينقبون في باطن الأرض عساهم يصيبوا مخازن النمل..رجال حول الرئيس كانوا يدركون مزاج أمير المؤمنين الذي يحسب السماء ستمطر ذهباً بفضل بركاته ..فكيف ياتيه حاكم ليقول له إن في عهده الزاهر يموت الناس من نقص الثمرات وجدب الخيرات..لم يجد بعدها الوالي دريج غير أن يهاجر إلى مغارب الأرض متخذاً من لندن مقراً لإقامته لأكثر من ثلاثة عقود
امس استدعى البرلمان ثلاث وزراء لاستفسارهم عن الموقف الغذائي في البلاد..حيث من المتوقع أن يمثل وزراء الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية ليطلعوا البرلمان لمواجهة مايترائى عن فجوة غذائية بسبب قلة الأمطار في الموسم الحالي..عبدالله مسار رئيس لجنة الزراعة بالمجلس الوطني أكد وجود فجوة غذائية في ولايات دارفور وشمال كردفان بجانب المناطق الوسطى حول الخرطوم
من ناحية بعيدة كشف مرصد حقوق الانسان بجبال النوبة عن موت سبعة أطفال خلال شهر أكتوبر المنصرم في المنطقة الغربية بسبب الأمراض ونقص الغذاء..وحسب ذات المرصد واجه نحو سبعين طفلاً في ذات المنطقة أسوء التغذية ..جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق تعاني بجانب قلة معدلات الأمطار من الحرب الأهلية التي تجعل الظروف غير مواتية للزراعة والاستقرار..في نواحي القضارف الأخبار تحمل أن العصابات الاثيوبية احتلت مليون فدان من أرض الفشقة الخصبة..لم يتوفق الأحباش في احتلال الأرض بل قتلوا العشرات من المزارعين السودانيين المدافعين عن أرضهم ..وكل ذلك وحكومتنا تقول إن العلاقة مستقرة مع أثيوبيا والاوضاع تحت السيطرة
في تقديري أن هذا العام سيكون صعباً على شعب السودان..ليس القحط وحده الذي سيقلق السودانيين ..صادرات هذا العام شهدت انخفاضاً حاداً حسب مؤشرات النصف الأول بلغ (٥٠٪)..في ذات الوقت متوقع أن تتصاعد قيمة الواردات ..بعض من المصائب جاءت بسبب انخفاض إنتاج جنوب السودان من النفط بسبب الحروبات الأهلية بجانب انخفاض قيمة البترول نفسه في الأسواق العالمية..إضافة إلى كل ذلك مازال بلدنا بعيداً عن الاستقرار بسبب الحروبات الأهلية التي تتسع يوما بعد يوم..كل ذلك جعل عدد كبير من السودانيين لا يستطيعون شراء ما يحتاجونه من غذاء وذلك لارتفاع الأسعار المصحوب بقلة المداخيل،.
يحمد لهذا البرلمان أن رفع قرون الاستشعار وحواجب الدهشة حينما استدعى وزراء الشأن الزراعي والاقتصادي..رغم ذلك أخشى أن يخرج أحد كبار الحكومة ويعتبر الحديث عن نقص الغذاء واحدة من مؤامرات المجتمع الدولي على بلدنا الملقب بسلة غذاء العالم..بعض الساسة لا يستهويهم الواقع أن كان لا ينسجم مع تصوراتهم الشخصية والمثالية ..بعض من قادة الإنقاذ يخجلون من إطلاق نداء استغاثة بعد رحلة ربع قرن من الزمان في رحلة الانقاذ الطويلة
بصراحة مطلوب من الحكومة أن تتحلي بالمصداقية حينما تتحدث عن الوضع الغذائي وإن كانت ثمة مجاعة في الأفق القريب..ليس من اليسير في عالم القرية الكونية اخفاء الحقائق