منى ابوزيد

العنف الناعم ..!


«البواطن التي نجاهد في اخفائها هي حقائقنا .. أنظر في باطنك وتفكر وتأمل ما تخفيه، تعلم أين مكانك في الدنيا وأين مكانك في الآخرة» .. مصطفى محمود!
٭ كل فعل يقوم على أساس الجنس يترتب عليه – أو من المحتمل أن يترتب عليه – أذى بدني أو نفسي أو جنسي أو قانوني أو اقتصادي يقع على المرأة هو بحسب – التعريف البدهي قبل القانوني لحقوق الإنسان – عنف ضد المرأة ..!
٭ كل تمييز مهني يقوم على أساس الجنس وعدم المساواة والعدل في الحقوق والواجبات ويترتب عليه أذى بدني ونفسي وجنسي وقانوني واقتصادي يقع على المرأة، هو عنف مهني ..!
٭ كل عنف يقوم على أساس الأدوار الاجتماعية التي يشكلها المجتمع بناء على الدور البيولوجي لكل من الجنسين، معتمداً على منظومة من القيم والعادات والتقاليد التي تؤدي إلى عدم المساواة – هو عنف جندري ..!
٭ كل عنف يتم توجيهه للمرأة بصيغة اتهام أو تحريض أو عدم تقبل لدورها الوظيفي هو عنف مجتمعي ضد المرأة..!
٭ على ضوء التعريف الإنساني/القانوني/ العالمي، أعلاه .. وبالتزام الحد الأقصى من الحياد الممكن، ماهو نصيب المرأة السودانية العاملة من «التعرض» لألوان العنف المبينة أعلاه؟! .. وما هو نصيب الرجل السوداني العامل من المسئولية عن تلك الأفعال المصنفة ضمن دائرة العنف ..؟!
٭ الدفوع التي تنفي التمييز العنصري ضد النساء في السودان تستند في مجملها على شواهد «نوعية» حية، مثل تقلد المرأة السودانية للمناصب الهامة والحيوية «الحقائب الوزارية مثالاً» ورئاسة اللجان .. الأمانات العامة .. الإدارات .. إلخ .. والتي تحققت ضمن توجه عام للدولة نحو تولية المرأة مناصب قيادية – قبل سنوات خلت – وذلك في إطار نقلة إقليمية شهدتها الكثير من دول العالم الثالث مؤخراً .. كما حدث في موريتانيا واليمن .. إلخ ..!
٭ لكن رحلة السودان نحو الفوز بصورة إيجابية قي هذا الشأن، أطاشت دفتها أحداث محاكمة لبنى، ثم تلتها واقعة جلد فتاة الفيديو (تلك المشاهد التي عادت بالنظرة العالمية نحو موقف وموقع المرأة فيه – بكل أسف – إلى عصر الرحط والشلوخ المطارق).. وهكذا تقهقر السودان إلى موقع الدفاع والدحض والتفنيد لاتهامات دولية لا تزال تترى ..!
٭ لكن – ولكن أداة استدراكية تفيد استدراك المعنى الأول بمعنى نقيض له! – تبقى حكاية التمييز «المراوغ» ضد المرأة خلف أبواب العمل العام أعمق وأشد خطورة من بعض الشواهد النوعية للعنف التقليدي .. إذ يصعب جداً الحكم على حالات التمييز ضد المرأة في مجالات العمل العام حكماً مهنياً واضحاً يتجلى في قرارات إدارية صريحة، لأنه ببساطة سلوك ذكوري .. زئبقي .. بغيض .. خبيث .. يأخذ من حقوق المرأة الكثير، دون أن تؤخذ عليه أي أدلة قاطعة تعتد بها القوانين ..!
٭ مسرح وقائع هذا النوع من التمييز هو أجواء ومناخات المهن في السودان على اختلافها .. فبعض الرجال غير الواثقين من أنفسهم يرون في إنجازات النساء فضحاً لنقص تمامهم وضعف أدائهم، ويرون في ازدياد نجاحاتهن تقدماً على حساب تقهقرهم، يسعدهم جداً أن يساهموا في تعطيل وإحباط النساء الطموحات، الناجحات .. وهم يفعلون ذلك بكل اطمئنان لأنهم لا يعدمون في الغالب من يساندهم – في ذلك – من أبناء جنسهم ..!
بعض الرجال يقعون في فخ التمييز المهني ضد المرأة لأن العقل النمطي للرجل العامل لا يزال يستنكر واقع أن يوازي دخل المرأة العاملة دخله، ولا يزال يستكثر مبدأ أن يزيد دخل زميلته في مؤسسة عمل واحدة عن دخله .. ولا يهم إن كان عملها أكثر أهمية، أو إن كان وجودها أكثر فائدة .. لا تهم مقومات الندية الفكرية هنا .. المهم أنها امرأة ليس لها حق القوامة على رجل، وليس عليها واجب إعالة أسرة .. فكيف يرضى القَوَّام، المُعيل، لامرأة أن تكسب أجراً أكبر، حتى وإن كانت تعمل ما هو أهم .. وأجدى .. وأنفع .. وأكبر .. وأكثر .. ؟!
٭ ملاعب الندية الأكاديمية والمهنية بساحات العمل العام – في سودان البخاتة هذا – بحاجة إلى ثورة فكرية تؤنسن إنتاج المرأة ونجاحها المهني .. وتعيد صياغة وجودها العملي .. بعيداً عن تعريف الرجولة وتصنيف الأنوثة ..!