مزمل ابو القاسم

وفق القانون


* عندما يتحدث رجل بقامة البروف علي شمو معلناً تبرم الناس من عدم تطبيق نصوص وثيقة الحقوق المضمنة في الدستور الحالي، ويؤكد أن عبارة (وفق القانون) سيُوصى بسحبها (لأنها تقيِّد الحريات العامة)، فإنه يعبِّر عن همٍّ شخصيٍّ قبل الهم العام، لأنه عانى الأمرَّين من تلك العبارة إبان عمله رئيساً للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات في دورته السابقة.
* هذه المرة تحدث شمو بصفته رئيساً للجنة الحريات والحقوق الأساسية في مؤتمر الحوار الوطني، مثلما تحدث قبلها كرئيس لمجلس الصحافة، منتقداً مصادرة الصحف وإيقافها بقرارات أمنية، لا يعلم بها المجلس إلا بعد تنفيذها.
* أذكر أنه تحدث بجرأة لا نستغربها فيه، مؤكداً أن تلك القرارات تجعل مجلس الصحافة (بلا قيمة).
* قالها بصريح العبارة، وهو رئيس لمجلسٍ يفترض فيه أنه يشرف على مهنة الصحافة وينظمها، مثل المجلسين الطبي والهندسي وغيرهما من المجالس المهنية المختصة.
* لمس شمو وتراً حساساً، وأطلق نغمةً مدوزنةً ستصادف هوىً في نفوس غالبية أهل السودان، لأن وثيقة الحقوق المضمنة في الدستور تحفظ الحقوق العامة تماماً، وتصون حرية الصحافة، وتمنح كل مواطن حقاً (لا يُقيد) في حرية التعبير.
* يلزم الدستور الدولة بأن تكفل ممارسة تلك الحريات (في مجتمع ديمقراطي)، ويحفظ حق التجمع السلمي، ويحظر انتهاك خصوصية أي مواطن، ويمنع التدخل في الحياة الخاصة أو الأسرية لأي شخصٍ في مسكنه أو في مراسلاته.
* كذلك ينص الدستور على ضرورة أن تنظم القوانين الحقوق والحريات (ولا تصادرها ولا تنتقص منها)، ويعتبر كل الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من تلك الوثيقة.
* كما ذكر بروف شمو، فإن أسّ البلاء يكمن في عبارة (وفق القانون) التي تعقب كل تلك النصوص!
* القوانين التي عناها البروف تقيِّد الحريات العامة، وتنزع من المواطنين ما كفله لهم الدستور، فتنتقص حريتهم، وتفرغ وثيقة الحقوق من محتواها، وتمنح السلطة حق مصادرة الصحف وتعطيل صدورها، وتجوِّز لها اعتقال الصحافيين، وتجعل وثيقة الحقوق مجرد حبر على ورق.
* تنص المادة (27) الفقرة الثالثة من دستور السودان الانتقالي على ما يلي: (تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من هذه الوثيقة)، وبالتالي يصبح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جزءاً من دستور السودان، ليكفل كل الحقوق المذكورة أعلاه، ويمنع مصادرتها، لكن ذلك غير مطبق على أرض الواقع، لأن القوانين المقيِّدة للحريات تسلب المواطن باليد اليسرى، ما يكفله له الدستور باليمنى.
* لو اقتصرت ثمرة مؤتمر الحوار الوطني على سحب عبارة (وفق القانون) من الدستور، كما طلب شمو، لكفتنا.
* (وفق القانون) التي ذكرها البروف.. تعني (ضد الدستور) لأنها تفرغه من محتواه!