تحقيقات وتقارير

إستيراد السكر لدرجة الجموح والأغراق لمصلحة من؟


سياسات غريبة وأخرى متضاربة وغير متناسقة أدت جميعها إلى إفراط جامح في أستيراد السكر بحيث فاض عن حجم الأستهلاك المحلي بما يزيد عن 300% وتسبب في آثارٍ مثبطة للقطاع.

تصف وزارة التجارة سلعة السكر بأنها إستراتيجية ومهمة للسودان، وكانت لهذا السبب تعد من السلع (المُقَيدَة) أي لا يتم إستيرادها إلا في حالة عجز الانتاج المحلي عن ملىء الفجوة والنقص في أستهلاك المواطنين. ولكن هذا الحال تغير منذ العام 2011 بفتح إستيراد السكر الأبيض وفقا لقرار أصدره مجلس الوزراء.
وصحب تنفيذ القرار إعفاء تام للسكر المستورد من كل الرسوم والضرائب ، بسبب الارتفاع الكبير في اسعار السكر عالميا ذلك العام، ولكن بعد انخفاض الاسعار العالمية لمستويات متدنية لم تتم مراجعة هذه السياسة وفي نفس الوقت استمرت الرسوم المفروضة على السكر المحلي مما سبب عدم عدالة في تجارة السكر.
وأدى هذا القرار والاعفاء إلى إفراط في عمليات إستيراد السكر بصورة (جامحة) و(غير معقولة) حتى فاقت الكميات المستوردة حجم الاستهلاك المحليى والطلب عليه اضعافا مضاعفة.
ويذكر تقرير للبنك الدولي حول تقييم قطاع السكر السوداني، أعد بطلب من وزارة المالية لتقييم سياسات السكر الحالية ومقارنتها مع اقتصاديات الدول الأخرى وأساليب الدعم والنظم الضرائبية ونظم الحماية المختلفة التي تطبقها، أن الحكومة تفرض على الانتاج الوطني من السكر ضريبة رسوم انتاج بنسبة 17% وضريبة قيمة مضافة بنسبة 17% إضافة إلى ضريبة ارباح إعمال بنسبة 1%.ويقوم التجار عادة بوضع هذا العبء الضريبي على المستهلك النهائي.
ضرائب على المحلي والاجنبي لا
وفي المقابل الغيت تماما وتم إعفاء كل الرسوم والضرائب التي كانت تفرض على السكر المستورد قبل عام 2011 وتشمل 40% ضريبة استيراد و13% ضريبة تنمية فضلا عن 17% لرسوم الانتاج ، والقيمة المضافة17% حيث يتمتع السكر المستورد بسوق سوداني خالي من الضرائب، بحسب دراسة خاصة عن واقع السكر في السودان تحصلت (سونا) على نسخة منها.
وإبرزت الثلاث سنوات التالية لهذا القرار تأثيرات ضخمة على قطاع السكر الذي يعد أكبر مخدم في المناطق الريفية إذ يوفر فرصا للتوظيف وتقديم خدمات إجتماعية اساسية مثل التعليم والصحة ومياه الشرب النظيفة تفوق في جودتها بعض المناطق الحضرية في البلاد. ووفقا للدراسة، فأن حجم الاستهلاك للموسم 2012-2013 بلغ 1.2 مليون طن متري بينما بلغ الانتاج المحلي 807 ألف طن وبالتالي تكون الفجوة 393 ألف طن، ولكن ما تم إستيراده في ذلك العام يزيد عن 1.1 مليون طن متري وهو ما تزيد نسبته عن 402% من حجم الاستهلاك الوطني كما بينت الدراسة السابق ذكرها.
وتكرر الامر في موسم 2013 -2014 حيث زاد حجم الأستهلاك عن 1.2 مليون طن متري وتدنى الانتاج المحلي إلى 782 ألف طن، والفجوة بينهما 478 ألف طن إلا أن الاستيراد بلغ 1.06 مليون طن بنسبة زيادة تبلغ 223% عن الاستهلاك.
وفي موسم 2014-2015 زاد الاستهلاك إلى 1.3 مليون طن متري . ونقص الانتاج المحلي إلى 661 ألف طن وصارت الفجوة بينهما 722 ألف طن ليرتفع حجم الاستيراد إلى 1.2 مليون طن ويزيد بأكثر من 182% عن الاستهلاك.
السكر طعمه مر
وأدت حالة الأغراق هذه إلى تراكم الانتاج المحلي وبالتالي خلق مشاكل أدت إلى تدهور الانتاجية عاما بعد عام. كما ان غياب سياسة واضحة ومحددة للسكر ثبطت القطاع الذي كان يحظي بنجاح وتدفق استثمارات أجنبية عليه.
وأول من اصابته شظايا الضرر هو الصناعة المحلية حيث أرتبك فيها الانتاج بسبب أختلال التدفقات النقدية نتيجة لتكدس الانتاج الوطني بالمخازن. وتأثرت العمليات الزراعية والانتاجية لعدم قدرة الشركات على توفير المدخلات الانتاجية المطلوبة في الوقت المناسب.وتأخرت عمليات الصيانة لعدم توفر النقد الأجنبي. كما أن تراكم المديونيات والالتزامات المالية على الشركات أدى إلى تصنيف القطاع بأنه معسر ماليا.
ونتيجة للأغراق تغير نمط المستهلكين نحو تحبيذ السكر المستورد كا ذكرت الدراسة وبالتالي فقدت الشركات أسواقها التقليدية محليا وخارجيا.وارتفعت تكاليف التخزين والتأمين مما يزيد العبء على الشركات الوطنية وأحيانا يتم تخزين السكر في العراء مما يعرضه للتلف والضياع.
وبمستوى عام تأثر الاقتصاد السوداني كثيرا بهذا الاختلال إذ يتناقض هذا الحال مع أهداف البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي (2016-2019) ومبادرة السودان لتحقيق الأمن الغذائي العربي. إذ تهدف الي تحقيق التوسع الراسي بتحسن الانتاجية وتحقيق استقرار في السوق الداخلي للسكر بتباع سياسة التحرير الممنهج واليات السوق. وايضا تمكين الانتاج القومي من تحقيق ربحية وتطوير مستمر في مواجهة تقلبات أسعار السكر العالمي التي يغلب عليها التذبذب الحاد من فترة لاخري. كما تهدف هذه السياسات لتبني مستوي سعر عالمي للسكر (سعر السكر التاشيري ).
كما سيتسبب شراء كل كميات السكر المستورد هذه بالنقد الاجنبي في زيادة الضغط على سوق النقد الاجنبي ورفع أسعار صرف العملة . ويهز ذلك كله الثقة في مناخ الاستثمار في قطاع السكر بسبب غياب السياسات الواضحة والمستقرة وكمثال توقف مشروعي قفا وسابينا.
مدير ادارة التسويق والمبيعات بشركة سكر كنانة الاستاذ حسن عروة قال إن تجارة السكر تحتاج الي الية تضمن العدالة بين المستورد المعفي تماما من الرسوم والمحلي المفروض عليه رسوم تصل الي 125 دولارا للطن الواحد .
وأضاف (لسونا) إن تراكم المخزون من السكر المستورد والمحلي ادي الي خلل في برنامج الصيانة وصعوبة التجهيزات للمواسم وذلك نتيجة لشح السيولة خاصة إن الصيانة تتم وفقا لجدولة زمنية دقيقة.
وذكر ان السياسة المتبعة في تجارة السكر ادت الي تدهور في الاسعار نتيجة المضاربات وبروز البيع بالكسر بصورة اهدرت العديد من الموارد
واستغرب لموقف السودان وسياسته المتعلقة بانتاج وتجارة السكر! وكيف أن المواطن والمستهلك السوداني يدعم الصناعة ذات المنشأ الاجنبي علي حساب الصناعة الوطنية كما تقوم حكومة السودان بالتخلي عن مواردها وزيادة العبء الضريبي على المواطن كانها قامت بدفع الضرائب والرسوم في دول المنشأ نيابة عن حكومات تلك الدول !
وبين ان الانتاجية المتوقعه لكنانة من السكر لموسم (2016-2016 ) 350 الف وانها تغطي 30 % من الاستهلاك مبينا ان كنانة اضافت 12 الف فدان مساحات زراعية جديدة لتصبح السماحة الكلية المزروعة بالقصب 112 الف فدان ليبلغ انتا ج كنانة من السكر سنويا 400 الفطن سنويا بادخال عينات جديدة من القصب فضلا عن الزيادة الافقية عقب انتهاء مشاكل الاراضي مع ولاية سنار.
وبالطبع المواطن هو المتضرر الأول والأخير إذ ما يزال يشتري السكر بسعر مرتفع يبلغ 8 جنيهات للكيلو الواحد. ورغم كل هذا الأغراق والركود لا يجروء أحد على تخفيض سعر السكر، فمن جهة لا تستطيع الصناعة المحلية تخفيض أسعارها بسبب الرسوم والضرائب التي تفرض عليها. كما لا يسطيع موردي السكر تخفيض اسعارهم لانهم أشتروا السكر بسعر صرف مرتفع للدولار من السوق الأسود أو الموازي كما يوصف. أو قد يشتري سكرا غير مطابقا للمواصفات التي يريدها وقد يتم التحايل عليه في ذلك من قبل بعض التجار والشركات.
البيع بالكسر
وفي بعض الحالات يتم بيع جزء من هذا المخزون المتراكم بأقل من تكلفة استيراده أو انتاجه بما يعرف بظاهرة (الكسر) مما يشكل ضغطا إضافيا على مستوى الاسعار في السوق المحلي وعلى قدرة شركات الانتاج الوطنية في عمليات البيع.
رئيس الغرفة التجارية بولاية الخرطوم حاج الطيب الطاهر، أكد حدوث ركود غير مسبوق بأسواق الولاية في سلعة السكر مما يتطلب اعادة النظر في عملية الاستيراد في الوقت الحالي .
وقال (لسونا) ان الشركات والتجارالمتعاملين في استيراد السكر يستوردون باسعار صرف عالية، مما جعل بعضهم يلجاء للبيع بالخسارة و (الكسر) وعرض السلعة بأقل من سعرها، وسط مخاوف وسط التجار من حدوث شلل تام للحركة التجارية في ظل انعدام السيولة التي تعاني منها الأسواق منذ فترة.
ويتخوف كل هؤلاء المختصون في صناعة السكر، من أن موسم 2015-2016 قد يشهد تدهور وتراجع صناعة السكر المحلية عن الانتاج إذا استمرت عمليات الاستيراد بذات المعدل للسنوات الثلاث الماضية والتي تقدر بحوالي 1.2 مليون طن.وذلك لصعوبة استهلاك الكميات المخزنة من السكر المستورد خلال الموسم الحالي والتي يقدر إجمالي المتاح منه قبل دخول الموسم الجديد وانتاج السكر المحلي حوالي 800 ألف طن بحسب الدراسة.
ويبلغ عدد مصانع السكر القائمة حاليا في السودان ستة مصانع هي شركة سكر كنانة والمصانع الاربعة التابعة لشركة السكر السودانية وهي الجنيد عسلاية سنار وحلفا الجديدة. أضافة إلى مصنع سكر النيل الأبيض الذي بدأ انتاجه موسم 2011-2012. ويبلغ أجمالي انتاجها من السكر الأبيض ما يتراوح بين 650 إلى 800 ألف طن سنوياً.
ويتمتع السودان بفرص و مجالات واسعة للاستثمار في صناعة السكر نتيجة لتوفر مقوماتها من موارد طبيعية وبشرية وقد ركزت خطة السكر الكبرى بالبلاد والهادفة لإنتاج عشرة مليون طن على تحديث وإعادة تأهيل المصانع القائمة وتحسين الإنتاج والإنتاجية.
وكانت الدولة قد اقرت انشاء عدة مصانع شملت مصنع منها سكر قفا بولاية النيل الأبيض لانتاج 370 الف طن مشروع سكر الرماش في ولاية سنار لإنتاج 150 ألف طن سكر، ومشروع حداف ود الفضل الذي يقع شمال شرق مصنع الجنيد ومشروع الحرقة ونور الدين لزراعة 12 إلف فدان قصب سكر بالحرقة و19الف فدان بنور الدين ومشروع سكر مشكور وسكر بأم جر بمحلية الدويم بولاية النيل الأبي
غش في المواصفات و التعبئة
وتجولت (سونا) في بعض المحال التجارية وعلمت أن المستهلكين يحبون السكر المحلي ولا يشترون المستورد رغم فارق السعر بينهما حيث بياع جوال السكر المحلي زنة 50 كيلو بمبلغ 250 جنيها والمستورد ب 235 جنيها. مما جعل اصحاب المحال التجارية يركزون علي توفير السكر المحلي. ودفع هذا الامر بعض شركات التعبئة لاستغلال والتعدي على العلامة التجارية الخاصة بالشركات المحلية، لتضليل المستهلك.
وربما يتذكر القارىء الاعلان الذي اصدرته شركة سكر كنانةحول انتشار شركات التعبئة التى تستغل العلامة التجارية للشركة،بولاية الخرطوم بصورة كبيرة مما يتوجب اتخاذ الاجراءات القانونية وفتح بلاغات ضد المتهمين.
وإشارات لظهور بعض الممارسات غير القانونية باستغلال العبوات زنة ال 50 كيلو نفسها فى التعبئة واعادة تعبئتها بسكر مستورد وكيف أنهااتخذت إجراءات قانونية ضد المتهمين .
هل من حل؟
اقترحت الدراسة حلولاً فورية عاجلة وطارئة وأهمها إجازة سياسات واضحة وعادلة بصورة لتنظيم تجارة السكر وضمان استقرار امداد ه، عن طريق فرض رسوم وضرائب على السكر المستورد كما هو الحال مع السكر المحلي. إضافة إلى ضبط عمليات الاستيراد بما يتسق مع حجم العجز والنقص في السوق المحلي. وأن يقتصر الاستيراد على السكر الخام وتكريره محليا بطاقات المصانع غير المستغلة إثناء توقف عمليات الحصاد.
وحلولاً آجلة أهمها تبني سياسات تؤدي إلى توفير التمويل المحلي لحاجات قطاع السكر وإجراء البحوث والدراسات التي تطور القدرات الوطنية له.
وصية البنك الدولي وهل من مدكر؟
يقول تقرير البنك الدولي: أنه بعد مراجعة السوق العالمي وتقييم السياسيات الحكومية وجد أن الغالبية العظمي من الحكومات تقوم بتقديم دعم أو حماية لصناعة الوطنية للسكر بشكل أو باخر ولا تترك السوق تحت رحمة تقليات الاسعار ولذا يوجد سياسة تحريرية متوازنة للسكر.
ويبين أن تشوه هيكل السوق العالمي وعدم فعاليته دعم وحفز قيام الحكومات بالتدخل في سوق السكر لحماية مصالحها لاسباب عديدة منها أن التذبذبات العالمية لاسعار سلعة السكر بالبورصات العالمية لا تعكس في الحقيقة هيكل التكلفة الحقيقي للصناعة حتى بالنسبة للمنتجين الذين يتمتعون بتكلفة هامشية (حدية) مثل البرازيل.
كما أن التحرير الكامل للقطاع (استيراد وانتاج محلي ) رغم أنه يؤدي إلى خفض الاسعار بصورة آنية في بعض الأحيان الا انه في الأجل الطويل يعرض السوق الداخلي والقطاع إلى خطر تذبذبات الاسعار وعدم استقرارها وخسارة الدولة لايراداتها تماماً.
ويرى التقرير أن هناك عدة سياسات متبعة من الدول المختلفة لحماية المنتج المحلي من المنافسة الضارة من السكر المستورد بفرض جمارك وضرائب على السكر المستورد تراعي تذبذب السوق العالمي والموازنة مع تكلفة تسعير المنتج المحلي بمعدلات متغيرة.
شركات الانتاج الوطني بالسودان تتعرض وتعمل في بيئة عالية المخاطر مما يجعل من الصعب في ظل برامج الدولة العمل على جذب مستثمرين ف يظل هذه التقلبات والتخبط.
ويخلص التقرير إنه لطالما اتضح أن السوق العالمي ليس معياراً يحتكم اليه في تسعير الانتاج المحلي مما يعطي مبرراً لتدخل الحكومات وفق خيارات عديدة لحماية الصناعة الوطنية من المنافسة غير العادلة وبمقارنة حالة السودان بالدول المشابهة فإن الآلية المناسبة هي تطبيق إليه تحديد مستوى الاسعار وحدود الاعفاءات بتطبيق هيكل رسوم وضرائب على سعر السكر الابيض المستورد وذلك بما يحقق التوازن والمنافسة العادلة وحماية المستهلك والسوق الداخلي من التقلبات.

إشراقة عباس ومحاسن الحسين
الخرطوم في2-11-2015-(سونا)


تعليق واحد

  1. كلام في الصميم ودراية ثرة للغاية، وأضيف حماية قطاع السكر السوداني من الحرامية