عبد الجليل سليمان

المدنية هي الحل


خطوات قليلة، أفكار بسيطة، بعض الجدية، قوانين صارمة و واضحة، ضمائر يقظة، يليها اعتراف بالواقع عوضا عن التنصل منه وانكاره وتبريره، ثم نجد أنفسنا وقد وضعنا الخطوة الأولى في الطريق الصحيح.
لا شك أنني أعي تماماً أن بعض ما أشرت إليه سلفاً يبدو طوباوياً أكثر مما هو واقعي وقابل للتحقق مثل عبارة (ضمائر يقظة) التي تستحوذ على مفهوم روحاني وأخلاقي عميق، لكنني أؤمن أن القواعد القانونية الفعالة والقابلة للتنفيذ والتخطيط السليم للتنمية اقتصادية واقتراح برامج دقيقة لترقية القطاع الخدمي المتصل بالتنمية البشرية كالتعليم والصحة مثالاً لا حصراً، ثم إيجاد الكوادر البشرية المؤهلة لتنفيذها وتحقيقها دون النظر إلى خلفياتها السياسية والفكرية والجهوية والاثنية والدينية، كما ظل يحدث وإلى الآن بطبيعة الحال، لن يكون بمقدور أي أحد إنجاز ضربة البداية هذه إلا ضمن نظام حكم يتوفر على الحد الأدنى من الانضباطية والعدالة واحترام سيادة القانون وأن تكون له القدرة والديناميكية في نشر وإفشاء مفاهيم ذات صلة بمتطلبات الدولة الحديثة مثل المواطنة والحقوق المدنية وحقوق الإنسان وحرية الرأي ومبادئ تداول السلطة وحق معارضتها وفق القانون، وهذه أمور لا يمكن إنجازها في ظل أنظمة ثيوقراطية أو عسكرية مستبدة، لذلك أن سنظل مرواح مكاننا ولن نتقدم شبراً ال الأمام إلا ضمن نظام حكم مدني تداولي، كونه الوحيد المتاح الآن، بعد فشل كل نظائره الأخرى، خاصة الإسلاموية، الأمر الذي جعل كثيرين من الداعين إليها، إلى الامتثال لصوت الحكمة والعقل والخضوع لمقتضيات الواقع وممارسة حقوقهم في سياقها، وليس أدل من ذلك أن نشير إلى تجربتي الإخوان المسلمين في تركيا وسوريا ممثلين في حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة، وبالتالي، بالضرورة لفت الأنظار إلى تجربة حزب النور السلفي الراهنة في مصر.
واقع الحال، أن لا مفر من العودة إلى نظام حكم مدني ودولة قانون، طال الوقت أم قصر، وهذا ما تشير إليه حتى ولو بطرف (سبابة) ما تسمى بالحورات الوطنية الجارية الآن والتي رافقها ومضات من صحوة الضمير (يقظته) ربما، لدى كثير ممن لم يعتاد منهم إلا الصمت في الشدائد والكرب من فقهاء الدين، فلا يتحدثون عن الفساد مثلا، بل يبررون له، ولكن ها هو بعضهم بدأ يعود إلى سواء السبيل، ومن يدري؟ ربما نستمع إليهم قريباً وهم ينادون بأن آن أوان انخراط الأحزاب الدينية في نظام مدني ديمقراطي، بالنظر إلى تجربتي العدالة والتنمية والنهضة وعطفا على تجربة النور السلفي، في مصر (القريبة دي) كما دأب المثقفون.