عبد الجليل سليمان

طير صهيوني في شباك هارون


بعض الأخبار، تأخذ خريطتك الإدراكية إلى حالة من العجز والشلل، وتصيب قدرتك الذهنية والمعرفية بالمكان والبيئة المحيطة به بالتيه والخبل، ثم تأتي على ما تتوفر عليه من أنساق تصورية وأطر مرجعية ظللت تعتقد وتظن منذ حيازتك عليها – وإلى ساعة نشر الخبر المعني – أنها تمنحك قدرة معقولة في إدراك الظواهر والمشكلات وفهمها وفك شفراتها.
وأمس، حينما اطلعت على خبر (الانتباهة) المرفوع عالياً (عنواناً رئيساً)، تحسست خريطتي الإدراكية، فحثتني على العودة إلى مصدره، فكان صائد طيور من منطقة أم الخير – بمحلية الرهد – غرب القضارف، حيث يروي الرجل واسمه إسماعيل هارون، أن شبكته التي نصبها في النهر لصيد الأسماك (تمخضت) فاصطادت طائراً بدلاً عن (القرقور والبلطي)، وهذا هين – لكن أي طائر ذاك الذي وقع أسيراً في شباك هارون (أخي)، قال الخبر، إنه طائر تجسس إسرائيلي، ولم يكتف بذلك بل جاء بتفاصيل دقيقة، مثل أن الطائر (الذي لم ترفق صورتة بالخبر) مزود بثلاث (إيريالات) هوائية للتعقب، وديباجة عليها أرقام وعناوين بريد إلكترونية إسرائيلية، وإن الطائر يعمل في مجال البحوث والمسح الجغرافي ويتبع لمركز بحوث إسرائيلي ينشط في هذا الصدد.
طيب، إذا ما تجاوزنا عقدة: أن هارون صائد الأسماك ضلت شبكته لجة النهر إلى عنان السماء فاصطادت طائراً، فكيف نتجاوز معلومات مهمة مثل أن الطائر (المزود) بثلاث (انتينات) (يا ربي دي طيرة ولا طيارة)! يتبع لمركز بحوث إسرائيلي يهتم بالحدائق والطبيعة، خاصة وأن مثل هذه المعلومات تشي بأن مهمة الطائر (الجاسوس الزراعي الإسرائيلي) هي الحصول على معلومات مهمة في ما يلي شؤون الزراعة البستانية في منطقة (الرهد) وهذا يعني بالضرورة أنها أكثر تطوراً مما تحوز عليه إسرائيل في المجال ذاته، وهذه مغالطة فادحة تجعل المعلومة أقرب إلى النكتة بجامع المفارقة في كلٍ.
بطبيعة الحال، فإن الغاشي والماشي والقاصي والداني يعلم مدى تطور وتقدم الزراعة (البستانية) في إسرائيل حيث تشكل (2.5%) من مجموع ناتجها المحلي و(3.6%) من صادراتها، ويوظف القطاع الزراعي حوالي (3.7%) من مجموع العمال في إسرائيل، وينتج (95%) من احتياجاتها الغذائية، رغم أن (20%) فقط من مساحة إسرائيل التي هي أقل من مساحة ولاية الخرطوم صالحة للزراعة.
وعليه، تشتعل خريطتك الإدراكية وتمور بأسئلة كثيرة، من قبيل: إذا كانت إسرائيل تنتج من المحاصيل الزراعية ما يغطي (95) بالمائة من استهلاكها المحلي، وما يمثل (3.6%) من مجمل صادراتها، في مساحة أضيق من خرم إبرة، فما الذي يجعلها تفعل بأهلنا في الرهد كل هذه الأفاعيل فترسل إليهم طائراً مُحتشداً بالأجهزة وهي عاجزة عن حمايته من براثن شباك (هارون لصيد الأسماك)، ليتجسس على كسبهم الزراعي المتواضع جداً مقارنة بدولة بن صهيون، رغم فارق المساحة وخصوبة التربة و وفرة المياه؟. وعندما تعجز عن الإجابة، تضع نقطة في آخر الخبر وتنصرف إلى أمور أخرى.