الطيب مصطفى

عودة أردوغان والصدمة الإيرانية


أتوقف إلى حين عن سلسلة(إنها مجرد قلة أدب) لأتفاعل مع قضايا أخرى فرضت نفسها عليّ وعلى العالم أجمع، وهل من حدث زلزل الأرض زلزالها وسهر بالإعلام العالمي تعليقا على ما يمكن أن يُحدثه من تداعيات وارتدادات بركانية في منطقة الشرق الأوسط المرشحة لحدوث تحولات جذرية أكبر مما جرى في تركيا يوم أمس الأول؟
ليس غريبا أن يواكب ذلك وفي نفس اليوم تصريح مدو من وزارة الخارجية الإيرانية التي فُجعت بالزلزال التركي أكثر من غيرها من العواصم العالمية، فقد كانت تعوّل على لجم تركيا وكبح جماحها حتى لا يحكمها أردوغان بتفويض كامل من الشعب التركي ليعوق المشروع الفارسي المتحالف مع أمريكا وروسيا للسيطرة على المنطقة.
إيران فور علمها بفوز حزب العدالة والتنمية في تركيا أرسلت رسالة إلى العالم أن بقاء بشار الأسد حاكماً على سوريا خط أحمر مما يعني أنها لن تسمح بإزاحته فقد أطل الآن على المشهد ، بعد عودة أردوغان ، من يستطيع الإجهاز على نظامه ..قبل ذلك كانت تركيا في حالة سيولة وعجز كامل عن أن تبني سياسة خارجية قوية جراء فشلها في الانتخابات السابقة التي أجريت قبل اشهر في الحصول على تفويض يتيح لحزب أردوغان أن يتبنى سياسته الخارجية الصارمة تجاه حكم بشار الأسد في سوريا.
كان (ملالي) إيران الفارسية يطمعون في أن يسقطوا الدور التركي على غرار ما حدث في مصر التي كانت إزاحة مرسي والإتيان بالسيسي الذي قزم من دورها بل وجعلها تابعاً ذليلا بمثابة الهدية الكبرى للمخطط الفارسي الأمريكي المتماهي مع دولة الكيان الصهيوني خاصة بعد الإعلان عن الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا وحلفائها الغربيين وانكشف الغطاء الذي لطالما خدعت أيران به العالم الإسلامي عن التحالف الاستراتيجي الذي برعت في إخفائه مستخدمة فقه التقية الذي تجيده وشعارات الموت لأمريكا كذباً وزوراً بالرغم من بعض المسرحيات التي أقدمت عليها والتي جعلتها تضحي ببعض رجالها للتمويه على المخدوعين (بمجاهدات) حزب الله اللبناني.
الزهو والغرور بالانتصارات التي تحققت في محيطها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة جعل إيران تستعجل وتخرج على فقه التقية متحدثة عن عودة أمجاد امبراطوريتها الفارسية وأنها الآن تسيطر على أربع دول هي العراق وسوريا ولبنان (حزب الله) واليمن.
تجلت أول أدلة التحالف الإيراني الأمريكي الخفي في تسليم أمريكا العراق لإيران بدون أن تخسر الأخيرة طلقة واحدة بالرغم من أنها حين حاولت إزاحة صدام بنفسها لم تحصد غير الهزيمة بعد أن فقدت أكثر من مليون قتيل وأكثر من تريليون دولار.
أصيب العالم السني بالذهول من تمدد إيران وتهديدها أمن الجزيرة العربية والمنطقة وبدأت الحقيقة تتكشف أن أمريكا قد تبنت إستراتيجية جديدة في مواجهة الإسلام السني منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت نيويورك وواشنطون بعد أن اقتنعت أن (الإرهابيين) الذين شنوا تلك الهجمات من تنظيم القاعدة من السنة وأن الشيعة لا يشكلون خطراً عليها ويمكن استئناسهم سيما وأن المذهب الشيعي لا ينبني على عقيدة جهادية متماسكة بل يختلط بخزعبلات وأباطيل مرتبطة بالانتماء للحضارة الفارسية التي تعلو على الانتماء للاسلام.
تصر إيران على مبدأ ولاية الفقيه حتى تخضع الشيعة في كل العالم لإيران من خلال الولاء للمرجع الشيعي الأعلى بجنسيته الإيرانية وانتمائه الفارسي وتتوسل إلى ذلك بإغداق العطايا لقيادات المذهب في شتى أنحاء العالم وبإرسالهم إلى (قُم) لتلقي الدورات والدراسات التي تربطهم بمبدأ ولاية الفقيه وبإيران الفارسية، ولعل التحول الذي حدث في عقيدة وانتماء بدرالدين الحوثي وحسين الحوثي جراء ابتعاثهم لإيران ومكوثهم لسنوات أبلغ دليل على ذلك.
من نعم الله على الأمة أن يعود أردوغان بقوة لحكم تركيا مع تولي الملك سلمان الحكم في السعودية، وهما حدثان عظيمان حيث يمكن للتحالف التركي السعودي القطري أن يُحدث تحولاً في موازين القوى في المنطقة، ومن شأنه أن يقف حجر عثرة في وجه المخطط الأمريكي الفارسي للسيطرة على المنطقة العربية، وكم أنا سعيد أن يكون السودان جزءا من هذا التحالف.
في المساحة المتبقية من هذا المقال أقول إنه ما من أولوية للتحالف الثلاثي أولى من استعادة مصر فإذا كانت المملكة قد لعبت دوراً في الإطاحة بالشرعية المتمثلة في مرسي فإن أولى أولوياتها أن تكفر عن ذلك الخطأ الاستراتيجي باستعادة الشرعية إلى مصر حتى تسهم مع تركيا والسعودية وقطر في التصدي للمخططات الخطيرة التي تستهدف المنطقة.