هيثم كابو

“ود اللمين”.. تجاوز الأنظمة والبحث عن ملحمة


* لم تكن المبادرة غريبة عليه، كما أن دعوته للفنانين للالتفاف حول راية الغناء الوطني وتقديم الجديد تمثل (دعوة جديرة بالاحترام) من رجل تغنى في حب الوطن بروائع خالدة وتم اعتقاله ومحاربته؛ فلم تضعف همته أو تلن عزيمته !
* إذا أردت تعريفاً شاملاً وكاملاً للموهبة فعليك أن تكتفي فقط بكتابة اسمه لأنه سيفضي مباشرة للتعريف الأمثل.. فموهبته كالبحر هبة لا تصنع وكالمطر منحة لا تستجلب، لذا من الطبيعي أن يكون رمزاً للإبداع يعرف قدر قيمته وجليل قامته كل صاحب حس فني وذائقة رفيعة.. هو ملاذ عشاق الفن الأصيل في زمن تلوث فيه مناخ الغناء، واعتقد البعض أن الموهبة (قرص أسبرين) يبتلعه الواحد منهم فيصبح بين طرفة عين وانتباهتها فناناً مضيئاً منتجاً يشار إليه ببنان الإبداع..!!
* تظل غنائية الفنان الموسيقار محمد الأمين بمثابة (كفارة فنية) لكل تشوهات الغناء على مر العصور والأزمنة.. فهو صاحب تجربة كاملة التميز والاختلاف.. اختار أروع القصائد وأجمل الأشعار وأميز الكلمات وألبسها أردية لحنية مدهشة وقدمها للناس في طبق من جمال عبر أداء بديع.. اختط لنفسه مساراً فنياً خاصاً.. اجتهد وتعب واحترم الجمهور و(الذواقة والسميعة) تحديداً فبادله الناس احتراماً باحترام والتفوا حوله حتى بات (همس شوقهم) و(حلم أماسيهم) وحامل لواء آمالهم وأحلامهم..!!
* كرمت رئاسة الجمهورية العام الماضي الفنان محمد الأمين بوسام الجدارة ليرتفع رأس كل المبدعين، ولعمري إن مسيرة صاحب (الأكتوبريات) تستحق أرفع الأوسمة والنياشين.!
* الباشكاتب مبدع استثنائي عنده (يتحد) كل أطياف (الشعب) ويتوحد الجميع لأنه فنان بقامة (وطن) وشموخ (أمة)..!!
* صدق أستاذنا الإعلامي القامة والشاعر العلامة فضل الله محمد عندما اختزل سيرة ومسيرة (ود اللمين) ببلاغة متناهية وهو يقول: (الغناء السوداني قبل محمد الأمين وبعده اختلف كثيراً)..!!
* محمد الأمين يا سادتي يمثل عبقرية فنية لا مثيل لها، فالرجل بئر إبداع لا تنضب كلما نزلت إلى أعماقها كشف لك عن أعماق أخرى لا نهاية لها، فموسيقار الأجيال يمثل فصلاً كاملاً من تاريخ الفن، ويبقى الغناء السوداني الحديث واحداً منقوصاً لا يكتمل إلا به..!!
* من قبل كرمت جامعة النيلين نفسها ومنسوبيها وهي تمنح الموسيقار محمد الأمين درجة الدكتوراه الفخرية، وإن كانت هذه الدرجة الرفيعة التي تمثل سدرة منتهى التقييم من المؤسسات الأكاديمية تمنح لأناس قدموا إسهامات بارزة في ميادين العطاء المختلفة ممن كان لهم عظيم الأثر الإيجابي وبالغ التأثير.. فإننا كما قلنا من قبل لا نرى من هو أحق من محمد الأمين بنيل درجة الدكتوراه الفخرية – وبلا مبالغة – فإن منح درجة الدكتوراه الفخرية لـ(وداللمين) يمثل (شرفاً) للدرجة الرفيعة و(فخراًَ) للدكتوراه، فمن هم بحجم إبداعه تتشرف الدرجات العلمية بالاقتران بهم قبل أن يتشرفوا بها..!!
* شكرنا آنذاك جامعة النيلين ومديرها البروفيسور عوض حاج علي لتلك اللفتة باذخة الجمال.. شكرنا النيلين التي اختارت مبدعاً بقامة (النيلين) ظل عطاؤه متدفقاً على مر السنوات.. وبعثنا بتحايانا الخالصة للنيلين وهي بتكريمها لمحمد الأمين تكشف عن ذوقها الرفيع وتؤكد للجميع أنها بجانب التميز الأكاديمي منذ أن كانت (فرعاً) تمتلك ذائقة رفيعة و(متجذرة) في تقييم أهل الفن والإبداع والغناء وتحسن فقه الاختيار والاصطفاء..!!
* عندما يدعو محمد الأمين زملاءه للإسهام في تقريب شقة الخلاف عبر أغنيات تعمق معاني الوطنية في النفوس يمر أمام عيني شريط نضال طويل لمبدع مغاير من الذين قهروا الصعاب وذللوا المستحيل ونسفوا جبال المتاريس الشاهقة.. لم يصل محمد الأمين لما وصل إليه بسهولة كما يحدث مع مغنواتية هذه الأيام من (فناني الغفلة).. واجه حروباً فنية ووضعت أمامه عوائق (غير فنية) ليتغلب على كل الأوضاع.. صارع الإشكالات الحقيقية و(المصنوعة) وكانت له الغلبة.. تجاوز الضغوط النفسية التي يمكن أن تصل بالمبدع لدرجة أن يكفر بموهبته ويحطم (عوده) ويخاصم الغناء إلى غير رجعة.. كان إيمانه بموهبته أكبر من حجم ما يحاك ضده من صعوبات ومتاريس.. إرادته الصلدة الفولاذية جعلته ينهض كلما حاول البعض (عرقلته).. كان أكبر من الصغائر والدسائس وحسد الأنفس البشرية.. كان أقوى من المنافسة الفنية الشرسة في زمن إطلالته الأولى.. كان على موعد مع التاريخ لذا فإنه ركل كل عثرة واجهته ومضى في طريقه لا يبالي لأنه باختصار شديد رجل كامل الموهبة والإصرار والعزيمة والهمة فهنيئاً لنا بفنان عالي الهمة ومبدع بقامة وطن وشموخ أمة..!!
* رحلة كفاح محمد الأمين (صاحب المبادرات الشاهقة) منذ بداياته وحتى مقاومته للمرض في السنوات الأخيرة وتجاسره من أجل إمتاع جمهوره تذكرني بأبيات شعر خطها يراع الشاعرة الأديبة الكويتية سعاد الصباح عن الزعيم جمال عبدالناصر قالت فيها: (كنا كباراً معه في كتب الزمان.. كنا خيولاً تشعل الآفاق عنفوان.. كان النسر الخرافي الذي يشيلنا على جناحيه إلى شواطئ الأمان.. كان كبيراً كالمسافات.. مضيئاً كالمنارات.. جديداً كالنبوءات.. عميق الصوت كالكهان).
* شكراً نبيلاً لمبادرة (الباشكاتب)، ونأمل ألا تنتهي فاعليتها بانتهاء مراسم الإعلان عنها؛ فلا تزال الرحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات، ويجب العمل بتفانٍ على نسف كل المهددات.!
نفس أخير
* غنوا للوطن ودعونا من الغزل في الأنظمة.. تجاوزوا الانتماءات الحزبية وأتحفونا بملحمة..!