جمال علي حسن

الجرائم الإلكترونية ليست لعب عيال


مصطلح جريمة إلكترونية نفسه يبدو في مجتمعنا وكأنه حديث هلامي عن جريمة غير جادة أو جريمة عبثية قليلة العنف لا يمتلك صاحبها الشجاعة الكافية للمواجهة.. لأن الجريمة التي كنا نعرفها هي تلك الجريمة التقليدية التي يتحمل فيها المجرم عبء المواجهة والمخاطرة بكونه يسرق بيده أو يعتدي على الآخرين..
المجرم في ثقافتنا هو المجرم التقليدي، سارقا، قاطع طرق، محتالا، أما ذلك المجرم الجديد الذي يتوارى خلف كيبورد في غرفة باردة ويستخدم أصابعه ولا تكلفه جريمته ثمن صابون لغسل يده أو ملابسه بعد ارتكاب الجريمة فهو في ظن الكثيرين ليس مجرماً يستحق الاهتمام والتتبع والترصد والقبض عليه ومحاكمته.
لكن لو عرف الجميع معنى وأبعاد مصطلح (الجرائم الإلكترونية) لبطل العجب حول مساحة الاهتمام الكبيرة التي باتت تحظى بها الجرائم الإلكترونية من جانب الحكومات والأجهزة المعنية بحفظ الأمن وحماية المجتمع في دول العالم المختلفة.
القضية ليست لعباً وتسلية وتزجية وقت، فالجريمة الإلكترونية في عالمنا اليوم هي جريمة كاملة الأركان وفادحة الضرر ما بين الغش والتزوير وإخفاء هوية المجرمين والسرقة والاحتيال الإلكتروني وتشويه سمعة الأفراد – أشخاصا عاديين أو نجوم ورموز مجتمع أو سياسيين حاكمين أو معارضين – وتدمير أنظمة المعلومات الخاصة بحكومات ودول واختراق أجهزة الأمن والشرطة وتدمير أنظمتها، فضلاً عن جرائم التطرف والإرهاب..
كل أنواع الجرائم التقليدية الآن تمت (حوسبتها) كما يقولون وفي أخبار هذا الصباح في الخرطوم تنعقد ورشة للجنة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية المعروفة باسم (السيسا) حول مكافحة الجرائم الإلكترونية التي نرجو أن تركز قبل كل شيء على تنوير مجتمعاتنا بمعنى مصطلح الجرائم الإلكترونية بشكل واضح لتعميم المعرفة والإدراك بخطورة الجرائم الإلكترونية على الجميع، خاصة وأن الجريمة الإلكترونية والمعلوماتية بطبيعتها تتميز بسهولة ارتكابها وصعوبة الكشف عنها ومكافحتها.
بل إن الكثير من الجرائم الإلكترونية تحتاج مكافحتها لاستخدام ذات التقنيات والأساليب التي كان قد اتبعها المجرم نفسه في ارتكابها، كما أن مكافحة الجرائم الإلكترونية تقتضي أحياناً لرصدها واكتشافها تجاوز حدود الخصوصية من جانب الأجهزة الأمنية عبر عمليات تنصت واختراق لحسابات وبريد المشتبه بهم للتوصل إلى موقع الجاني والتعرف على هويته.. وهذه قضية أخرى قد تثير جدلاً قانونياً وحقوقياً يعقد من عملية المكافحة.
الأمر معقد جداً لكن تبقى مكافحة الجرائم الإلكترونية قضية تهم الجميع لأنه لا أحد في المجتمع الآن محصن ضد التضرر من الجرائم الإلكترونية فهي على أقل تقدير تنتهك الخصوصيات الأسرية وتستخدم صور بناتنا وأطفالنا في أغراض مسيئة.
ورشة السيسا تعكس أيضاً وجهاً ودوراً مختلفاً لأجهزة الأمن والمخابرات وهو الوجه الذي يهم المجتمع أكثر من ذلك الوجه التقليدي لها بكونها أجهزة نظامية معنية فقط بحماية الأنظمة وحراسة أسوار السلطة في بلداننا.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين