محمود الدنعو

حرب ضفتي النهر


هناك صعوبة بالغة في أن تقطع (200) خطوة هي كل الطريق المعبد في بامباري المدينة المترامية الأطراف في عمق جمهورية أفريقيا الوسطى والتي تقع وسط الغابات، على جانبي الطريق أكشاك الصفيح الصدئة وبيوت الطين المتداعية بلونها الطيني الأقرب الى الصدأ، وهي تمتد على طول جسر وحيد وعتيق فوق نهر (أواكا)، الطريق الموحل هو من يقسم المدنية إلى قسمين شمالي وجنوبي، وهذا ما يجعل الـ(200) خطوة هي الجزء الأهم من الطريق ولأسباب لا علاقة لها بالمساحة، فإن الجسر يمثل الحد الجغرافي الفاصل بين سكان المدينة الخط الأحمر حيث التهديد بالموت ينتظر كل من يعبره من طرف إلى الآخر وعادة بقطع الرأس !
الضفة الشرقية من نهر أوكا يسيطر عليها بقايا من (سيليكا) وهي تحالف واسع من المتمردين المسلمين الذي استولى على السلطة لفترة قصيرة فى العام 2013، وفي الضفة الغربية (انتي بلاكا) مليشيا المسيحين المتوحشة المدججة بالسواطير والسكاكين، المسلمون يخشون الذهاب إلى الضفة الغربية من النهر كما يؤكد عمدة بامباري، والمسيحيون يخشون العبور إلى الضفة الشرقية ولكنهم يقومون بذلك مع الكثير من الخوف.
بامباري مرآة للانقسامات في عموم أفريقيا الوسطى الدولة التي تعادل مساحتها ولاية تكساس الأمريكية وتمتد بين السافنا والغابات المطيرة، وتقع بين دول السودان وتشاد وجمهورية الكنغو الديمقراطية، وهي بلدان مضطربة وكذلك أفريقيا الوسطى حتى قبل الأزمة الأخيرة، وطبقاً لمجموعة الأزمات الدولية فإن أفريقيا الوسطى فى وضع أسوأ حتى من تصنيف الدولة الفاشلة.
بأمر الواقع تنقسم البلاد إلى جنوب غرب لـ(انتي بالاكا) وشمال شرق لمقاتلي (سيليكا) السابقين الذي فروا بعد إنهاء التحالف وتنازل قادته عن السلطة فىي يناير من العام 2014 تحت الضغوط الدولية ويطلق عليهم الآن (اكس سيليكا)، وهو مصطلح يشير إلى أنهم شتات من المجموعات المسلحة ليس لديهم قيادة مركزية موحدة.
خارج نطاق العاصمة بانغي لا يوجد شىء تحت سيطرة الحكومة حوالى (6) آلاف شخص قتلوا و(832) ألفاً شردوا، منهم (368) الف داخل البلاد و(464) ألفاً خارجها، ونصف سكان الدولة البالغ عددهم (4.7) ملايين بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية ـ بحسب الأمم المتحدة.
بامباري ثالث أكبر مدينة في أفريقيا الوسطى لا تزال تعاني من الحرب الطائفية، ففي أغسطس الماضي سائق سيارة أجرة مسلم أخرجه مقاتلو (آنتي بالاكا) من سيارته عنوة ثم قطعوا رأسه على مشهد من المارة، الحادث أثار ردود فعل عنيفة من الملسمين وردود فعل عنيفة مضادة من المسيحيين، انفتحت شهية الطرفين للانتقام وعندما انجلى غبار المعركة كان عشرة أشخاص قد قتلوا على الأقل وعشرات الجرحى بما فيهم اثنان من المسعفين التابعين للصليب الأحمر.