د. ياسر محجوب الحسين

الخرطوم.. ما وراء الاعتزال والتطبيع؟!


(1)
قبل حوالي عامين في ديسمبر 2013 قدم الرجل استقالته كنائب أول للرئيس السوداني عمر البشير، وأعلن البشير أن نائبه علي عثمان محمد طه استقال لإفساح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة بعدما وصفه بأنه رأس الرمح وقائد التغيير في التشكيل الوزاري الجديد.. بيد أننا لن نخوض في جدال، هل قدم طه استقالته أم أنه أقيل ضمن عملية إزاحة قام بها البشير مع قيادات أخرى ذات تأثير قوي وتمثل بديلا متحفزا لخلافته فذلك بحر عميق ظلماته بعضها فوق بعض.. لقد خرج طه الأسبوع الماضي عن صمته غير المعلن منذ ذلك التاريخ وكشف لأول مرة عن تركه للعمل السياسي واتجاهه للسياسة الحقيقية على حد تعبيره في إشارة للعمل الطوعي. وقال طه الذي يترأس حاليا مجلس إدارة المؤسسة السودانية لذوي الإعاقة “بأنه ترك العمل السياسي واتجه إلى السياسة الحقيقة”.. أعداؤه قبل مناصريه يقرون له بنظافة اليد وعدم التكسب من السياسة.. غير أن السياسة التي خاض غمارها لعقود عديدة لن يسلم من سهامها مطلقا.. عند وفاة النائب الأول الأسبق للرئيس الزبير محمد صالح في حادث سقوط طائرة في العام 1998م، وجد البشير في طه الرجل المناسب للقيام بمهمة النائب الأول.. وعند اختلاف البشير مع حسن الترابي في العام 1999م انحاز طه للبشير.. وطه المولود في الأول من نوفمبر 1944 لم يتجاوز سن العطاء السياسي بمعايير السياسة السودانية فكل القيادات السياسية القابضة على مفاصل القوى السياسية المختلفة تكبره عمرا.. من قبل أعلن البشير عدم ترشحه للرئاسة ثم عدل عن ذلك، كما فعل ذلك حسن الترابي والصادق المهدي وآخرون.. فهل يصدُق طه ويطلّق السياسة طلاقا بائنا لا رجعة فيه؟
(2)
كأنما استعصى حل إشكالات السياسة الخارجية في السودان إلا عبر البوابة الإسرائيلية، فقد فجر بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الذي ينعقد هذه الأيام بالخرطوم، قضية التطبيع مع إسرائيل تحت سمع وبصر الحزب الحاكم.. تقدم حزب المجلس السياسي للسودانيين المستقلين بورقة للمؤتمر طالب فيها بضرورة التطبيع الكامل مع إسرائيل. وقال الحزب في ورقته:”لا نريد أن نتحدث في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية، ولكن جزئية مهمة من وجهة نظرنا وتتمثل في خلق علاقات دبلوماسية بين جمهورية السودان ودولة إسرائيل، وذلك من أجل إحداث متغيرات حقيقية في علاقاتنا الخارجية بصفة عامة لينعكس ذلك إيجاباً على اقتصادنا وأممنا”.. ربما كان من ضمن تكنيكات السياسيين طرح أو تبني كل ما هو غريب للفت الأنظار وجذب الأضواء الإعلامية، خاصة عندما يكون السياسي أو الحزب مغمورا.. ويبدو أن البعض لم يكتف بالعبارة التي أقرها أعضاء اللجنة وهي: “إقامة علاقات مفتوحة للسودان مع كل الدول” وأصر إضافة عبارة:”عدا إسرائيل”.. وكان الجواز السوداني القديم الذي ينتهي العمل به نهائيا هذا الشهر، يحمل عبارة:”مسموح لحامله زيارة كل الدول عدا إسرائيل”.. أما الجواز الجديد فلا يحمل مثل هذه العبارة.. فيا ترى ماذا يجول في خاطر الحكومة السودانية؟، وماذا جنت الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل؟. وهل بالفعل مازالت إسرائيل تهرول نحو كل دولة تلوح بورقة التطبيع؟، أم أن الظروف والموازين السياسية تغيرت وتبدلت؟
(3)
مازال السودان ضمن القائمة الأمريكية التي تصنف دولا بعينها بأنها داعمة للإرهاب ولم يشفع له تعاونه الكامل مع ما سمته واشنطن بالحرب على الإرهاب.. من قبل ألقت الخرطوم القبض على إلييتش راميريز سانشيز والمعروف باسمه الحركي كارلوس إلى فرنسا في العام 1994، حيث أدين من قبل بقتل ثلاثة رجال بينهم شرطيان عام 1975 في باريس.. اليوم كشف مدير شرطة (الإنتربول) بالخرطوم عن تسليم السودان أحد منسوبي جماعة “بوكو حرام” النيجيرية اتهم بإدارة أنشطة إرهابية، وقال إن التعامل مع المطلوب تم وفقاً لقانون (الإنتربول) والاتفاقيات الثنائية بين السودان ونيجيريا.. واعتقلت الشرطة الدولية (الإنتربول) بالتعاون مع السلطات السودانية، في يونيو 2014 “أمينو صديق أوغوشي” المشتبه بضلوعه في التفجير الذي استهدف محطة حافلات “نيانيا” في العاصمة النيجيرية أبوجا.. واليوم يقضي كارلوس حكما بالسجن مدى الحياة.
وأعلنت زوجته فيما بعد أن كل أعمال كارلوس كانت لخدمة القضية الفلسطينية وأنه أعلن إسلامه عام 1975م في اليمن.. ولعل أشهر نشاطات كارلوس احتجاز وزراء النفط دول (أوبك) في العام 1975 أثناء اجتماع لهم في فيينا والذي احتجز خلاله مع آخرين 70 شخصاً بينهم 11 وزيراً واختطافهم تحت تهديد السلاح ونقلهم إلى الجزائر.