مقالات متنوعة

محمد لطيف : إبراهيم محمود.. فاجأ أم فوجئ


المهندس إبراهيم محمود هو نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني.. وللدقة هو نائب الرئيس للشؤون الحزبية أو التنظيمية.. وكما يبدو جليا أن السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية.. الحالي والذي سبقه.. هو المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي في ظل انشغال الرئيس بالشئون السيادية وعموم القضايا.. بالمقابل من البديهي أن يكون إبراهيم محمود هو المسؤول الأول على مستوى الحزب لذات الأسباب.. فترتيب الأدوار هكذا في كابينة القيادة.. عليه حين يخرج الأخير على منبر عام ويطلق تصريحا.. فهذا لا يعني سوى أن الرجل يتحدث باسم حزبه.. وأمام السامعين واحد من خيارين لا ثالث لهما.. إما أن يقبلوا ما يقول.. أو يرفضوه جملة وتفصيلا.. أما الالتفاف بحجج من نوع.. أن الرجل يمثل نفسه.. أو أن هذا ليس برأي المؤتمر الوطني.. فهذا حديث هو الآخر لا يخرج من أحد احتمالين.. إما أن القائل لا يعرف ألف باء السياسة.. وهذه مصيبة.. وإما أن القائل لا يعرف حزب المؤتمر الوطني.. وهذه كارثة.. المصيبة سببها أن يغالط الناس في موقف أعلنه مسؤول مفوض في حزبه متطوعين بالإعلان عن أن هذا ليس رأي الحزب.. علما بأن هذا الحزب برئيسه ومكتبه القيادي وأماناته وأجهزته وإعلامه موجود على مرمى حجر من حيث قال إبراهيم محمود كلمته تلك.. ولو كان لدى الحزب غير ما يقوله إبراهيم محمود لقاله..!
أما الكارثة فتتمثل في أن يكون هذا القائل لا يعرف المؤتمر الوطني.. أو بالأحرى.. كيف يفكر قادة المؤتمر الوطني.. لقد كتبنا هنا من قبل.. أن واحدا من أكبر أخطاء المعارضة.. الممانعة منها وتلك المشاركة في الحوار.. أنها افترضت أن الحوار يؤسس لمشروعية ما بعده.. وهذا الفهم مع معطيات أخرى كثيرة.. بنى حائطا عاليا بين الوطني وأي حديث عن ترتيبات انتقالية.. بل إن المؤتمر الوطني.. بل ورئيسه تحديدا.. قال في أكثر من مناسبة إن مشروعيتهم مستمدة من الانتخابات.. غض النظر عن رأي الآخرين فيها.. وإن الحوار إنما يهدف لتحريك الساكن السياسي اولا.. ثم الاتفاق على ترتيبات الممارسة السياسية.. في ظل النظام القائم حاليا.. لا أي نظام آخر.. عليه نقول كارثة حقا أن تلج ساحة للحوار وأنت تفتقد أبسط أسلحة الحوار وهي.. معرفة كيف يفكر من تحاور..!
ولعل الذين يطالبون بفترة انتفالية ينسون أو يتناسون الظروف التي قامت فيها فترات انتقالية في تاريخ السودان المعاصر.. أولاها بعد اقتلاع نظام نوفمبر عبر ثورة شعبية في أكتوبر.. وثانيتها بعد اقتلاع نظام مايو عبر ثورة شعبية في مارس أبريل.. وكان جليا أن أي فترة انتقالية إنما كانت تعني إدانة لكل ما سبق وتأسيسا لوضع جديد.. ترى هل يتوقع أحد أن تأتي الإنقاذ من تلقائها لتوقع على صك يحمل إدانتها..؟ أي عاقل يمكن أن يفكر هكذا..؟ وقد يقول قائل.. ثمة فترة انتقالية ثالثة.. أي بعد اتفاقية السلام الشامل.. ولن نزيد على قولنا إن نيفاشا كانت بالنسبة للنظام مخاضا عسيرا.. اضطرت فيه الإنقاذ لتقديم تنازلات كبيرة جراء ضغوط الحرب وضغوط المجتمع الدولي.. ورغم ذلك فالانتقال في الواقع كان موجها للجنوب بينما احتفظ المؤتمر الوطني بكل شيء على حاله في الشمال..!
ترى ما الذي يجبر الوطني الآن لتقديم تنازلات حد القبول بفترة انتقالية..؟! إذا كان البعض قد فاجأه حديث إبراهيم محمود فالأرجح أنه قد فوجئ بردود أفعال هذا البعض.