يوسف عبد المنان

الحوار النوبي


أمس وصلت قيادات سياسية رفيعة المقام من الحزب القومي السوداني ومستقلون عن الحركة الشعبية ونواب برلمانيون ووزراء للمشاركة في منشطين، أولهما الحوار الوطني الذي اقترب من بلوغ شهره الأول.. والمنشط الثاني يجري الترتيب له في دهاليز الصمت حتى الآن، من جهة المعارضين في المنافي ،وبعض القيادات في الداخل، ألا وهو مؤتمر الحوار (النوبي- النوبي).
القيادات العائدة من المنافي جميعها من أبناء جبال النوبة الرافضين للواقع الشاخص على الأرض من حرب ونزوح وتدهور مريع في الأوضاع، وبالتالي غياب للتنمية وإعمار الأرض، بل انحسار شديد في الخدمات التي تقدمها الحكومة لمواطنيها.. وأبناء جبال النوبة الذين وصلوا أمس، كان بعضهم نواباً في البرلمان 1986م، مثل “محمد أبو عنجة أبو رأس” عن دائرة كادقلي، والمقدم أمن (م) “أمين بشير فلين” عن دائرة الدلنج الغربية، وأصبح من بعد وزيراً للسياحة و”أزرق زكريا خريف” الذي يعد من المفكرين والمثقفين المناهضين للحرب.. ومنهم الأستاذ “آدم جمال” القادم من أستراليا، وهو ناشط سابق في الحركة الشعبية، لكنه تخلى عنها وبات يقف في ربوة مستقلة يكتب من منفاه الاختياري بما يروق له ولا يرضي قادة الحركة الشعبية.. ومشاركة هؤلاء القيادات المعارضة من منطقة جبال النوبة ، يمثل دعماً كبيراً لمسار الحوار بإشراك أهل منطقة تدور فيها الحرب منذ سنوات، ولم تنل حظها من الحوار أثناء الجلسات الماضية، لضعف مشاركتها في لجان الحوار، وفشل قادتها في حمل القضية إلى منصات الإعلام.. رغم أن قضية الحرب في جبال النوبة هي العقبة الكؤود التي تحول دون تحسن علاقات السودان الخارجية مع الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية، والتي أبلغت وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” برغبتها في تطبيع العلاقات مع السودان إذا ما كانت للسودان إرادة في وقف الحرب بالمنطقتين ، وإقرار تسوية تنهي النزاع الذي يعتبر وصمة عار ينبغي التخلص منها.. ومشاركة النخب السياسية من أبناء جبال النوبة في الحوار وإعلاء قيمة المعارض الذي لا يحمل السلاح، والإصغاء إليه وتقديم التنازلات لمن لا يقتل ، من شأن ذلك تعزيز قيم سياسية جديدة تجعل المعارضة السلمية هي الوسيلة الأكثر نجاعة في الحصول على الحقوق بدلاً من المفاهيم السائدة الآن، بأن رفع السلاح وتقتيل المواطنين هو الطريق الأقرب لتحقيق التطلعات والآمال.. ومشاركة هؤلاء القياديين لها أثرها البليغ في دعم الحوار الوطني وإعادة البريق إليه وضخ دماء جديدة في شرايينه التي تكلست في الأيام الأخيرة.
القضية الثانية التي جاء من أجلها قيادات أبناء النوبة في المنافي هي الدعوة للحوار (النوبي -النوبي) والتي طرحتها ذات القيادات في زيارتها الأولى بدعوة من البرلمان حينذاك، واللجنة السياسية لأبناء جبال النوبة بالمؤتمر الوطني.. وتلكأت جهات عديدة في المضي قدماً بالمؤتمر الذي من شأنه إحداث زلزال حقيقي في قواعد الحركة الشعبية، التي ترفض المؤتمر وتناهضه بشدة.. وتعتبره خنجراً مسموماً يسعى المؤتمر الوطني لغرسه في كبدها.. بينما المؤتمر الوطني يتلكأ متخوفاً من عقد المؤتمر لأسباب غير معلومة ، وبعودة هؤلاء القيادات اليوم، ينبغي إخضاع فكرة مؤتمر الحوار النوبي -النوبي للنقاش وتبادل الرأي دون مزايدات وبتجرد من شح النفس والتنافس بين القيادات والتكلس من قضية جوهرية هامة جداً، وإتاحة الفرصة للقيادات العائدة للتعبير جهراً بفكرتها :ماذا تعني بمؤتمر الحوار (النوبي – النوبي) وما هي مقاصده وما أثره على وقف الحرب وتوحيد الجبهة الداخلية؟
وإذا كان المؤتمر الوطني قد رحب بعودة هؤلاء القيادات ينبغي له أيضاً الترحيب بمساعي توحيد النوبة، وإتاحة الفرصة واسعة لهم لحوار داخلي فيما بينهم بلوغاً لتحديد ماهية المشكلة وكيفية حلها.. وأن تدعم مكونات جنوب كردفان أو جبال النوبة، الاجتماعية الأخرى مؤتمر الحوار (النوبي -النوبي) ثقة منها في أبناء عمومتها ،وأن لا تنصب تلك الكيانات من نفسها وصياً على المنطقة ولا درقة تحول دون تحقيق أهلنا النوبة لتطلعاتهم السياسية، وتحديد مستقبلهم. فما أمر من الحرب إلا الحرب!!