هيثم صديق

آلة الزمن


ذات انتظار ممل كنت مع اثنين من الأصدقاء نتحدث في كل شيء وعن كل شيء حتى صاح أحدنا ماذا ستفعلان لو جاءتنا آلة الزمن تلك التي يدخلها الإنسان فتذهب به حيث يشاء في التاريخ والمستقبل؟
قال أصبانا وأعذبنا والعزابي بيننا، سأجعلها تمزق بضع ساعات فقط لتصلني إلى جزيرة هاواي. وأخذ يعدد ما يريده هناك ولعل ما مسموح نقله هو الغوص والسباحة وتتبع آثار الحسان على الرمل كما غنى إسحق الحلنقي بحنجرة التاج مكي: وعلى الرمال آثارك طرتني ليلة عيد.
صديقنا الثاني تمنى أن تعود به آلة الزمن إلى معركة حقيقية تمناها بدرا أو أحدا، قبل أن يتواضع ويتمناها حطين والناصر صلاح الدين، وطفق يتحدث عن القدس وينشد أشعارها ويحدد أسعارها ويشتم اليهود وسعارها حتى قلنا ليته استشهد.
أما أنا فلقد تمنيت الرجوع قليلا. لا لزمن الجوز ثلاثة والدستة خمستاشر فتلك شطحات ولكن إلى زمن كان حين يمتلئ الكراس يذهب التلميذ إلى المعلم ليعطيه كراسا. إلى زمن كان العلاج مجانا والابتسام مجانا والشرف لا يشترى.. حننت إلى زمان كانت للجرائد الحائطية سطوتها وحيطة الجيران نفاجا يمد الضوء وبروة الصابونة ومحنة غير مصطنعة.
أريد أعود إلى زمن قريب حين كان أذان الصبح هو وحده من ينهي حفلات الأعراس لا مشاجرة، وترقص النساء بلا ريبة.
لعلكم لاحظتم أن ثلاثتنا لم يتمن أن يذهب للمستقبل رغم أنها أمنيات، ذاك بأن خوفا من المستقبل يمسك بتلابيب هذه الأمة.
ترى أيها الأحباب ماذا تتمنون إن جاءتكم آلة الزمن؟
سيقول المعاشي ليتني عدت للوظيفة وتقول الجدة ليتني عدت للولادة وتقول الطفلة ليت عرسي غدا ويقول الموظف ليته أصبح مديرا أو عاد تلميذا.. لا أحد سيرفضها وهذا ديدن الإنسان ذاك المخلوق المثير.