الطاهر ساتي

أوف سايد


:: قبل ثلاثة أشهر، عندما أحدثت وزارة المالية إصلاحاً في عملية إستيراد وطحن القمح بفك الإحتكار و رفع الدعم عن الشركات، قلت بالنص : لو كانت الحكومة تصافح شعبها بمثل هذه السياسات الإصلاحية لوجدت الكثير من (العناق)، ولكن الحكومة دأبت على صفع الشعب بالتراجع عن القرارات الرشيدة..ولذلك، لانتوقع أن تمضي سياسة وزارة المالية في طريق فك الإحتكار وحرية المنافسة بالجودة والسعر حتى النهاية.. فالكثير من التجارب السابقة كشفت للناس أن من أسماهم البرلمان ذات يوم باللاعبين الكبار في سوق القمح والدقيق أقوى من ..( إرادة دولة )..!!
:: وبعد ثلاثة أشهر من ذاك التكهن، أي صباح أمس، وضعت شركة سيقا الحكومة أمام (إختبار الإرادة)..وخالفت قواعد البيع برفع سعر جوال دقيق القمح المدعوم للمخابز إلى (154 جنيها)، بدلا عن (125/ 130 جنيها)، وهي قيمة الجوال وتكاليف الترحيل..نعم، بلا علم وزارة المالية، وبلا علم البرلمان، وبلا علم مجلس الوزراء، حولت شركة سيقا ذاتها إلى كل هذه المؤسسات المسؤولة عن قوت الشعب، ثم فرضت سعرها الخاص – 154 جنيها – على المخابز، ومثل هذا العبث لايحدث إلا في السودان.. ولولا الإنتباهة المتأخرة للسلطات، أي بعد توزيع الدقيق، لواصلت شركة سيقا في الكسب غير المشروع على حساب المواطن..!!
:: وبالمناسبة، قبل أن تفرض على المخابز سعر الخاص – 154 جنيها – في غفلة السلطات الرقابية، أوقفت شركة سيقا مطاحنها ثلاثة أسابيع لجس النبض.. فمن الأوهام التي كانت تراهن عليها شركة سيقا في إبتزاز الحكومة – قبل فك الإحتكار وفتح أبواب المنافسة – أنها تطحن وتوزع (60%) من قوت الشعب، وأن توقف مطاحنها يوماً يعنى تجويع (60%) من الشعب.. ولجس نبض وبطن هذا الشعب، أوقفت مطاحنها طوال الثلاثة أسابيع الفائتة، ومع ذلك لم يتوقف مخبزاً عن الخبز في طول البلاد وعرضها، ولم تتراص الصفوف أمام مخبز في طول البلاد وعرضها.. فأعادت الشركة مطاحنها إلى العمل – طوعاً وإختياراً – بعد أن تأكدت من (حجمها الحقيقي).. فالمطاحن التي كانت مهجورة في أزمنة الإحتكار ( سدت الفرقة)، وفاض دقيقها..!!
:: المهم..توقفت الشركة لجس النبض ثلاثة أسابيع ثم عاودت الطحن والتوزيع بهذا السعر المخالف لنصوص التعاقد مع وزارة المالية ومخزونها الإستراتيجي.. والحقيقة التي يجب أن يعلمها الرأي العام هي أن مطاحن شركة سيقا – وكل مطاحن السودان الأخرى – التي تشتري القمح المدعوم من المخزون الإستراتيجي ملزمة ببيع دقيق هذا القمح المدعوم للمخابز بسعر الجوال (116 جنيها، ثم تكاليف الترحيل)، ولا تملك شركة سيقا – أوغيرها – حق وضع (تسعيرة خاصة).. بمعنى، لو إستوردت شركة سيقا قمحها بدولار السوق الموازي (11 جنيه)، فلها حق بيع دقيقها للمخابز بما تشاء من أسعار ( 150 أو 500 جنيها)، هي حرة ..!!
:: ولكن بما أن سيقا تشتري القمح المدعوم – بأموال الشعب – من المخزون الإستراتيجي، فعليها الإلتزام بالسعر الحكومي ( 116 جنيها ) مثل كل شركات مطاحن السودان، و هي أكثر من تسع شركات ملتزمة .. هذا أو عليها التوقف عن الشراء من المخزون وإستبدالها بالشراء المباشر دون أن أن يكون دولار الشعب (وسيطاً أو شريكا)..ثم السؤال المباشر للسلطات التي كشفت المخالفة، ماذا لو خالفت شركة زول ساكت للغلال نصوص تعاقدها مع وزارة المالية و زادت سعر دقيق القمح المدعوم ( بي مزاجها )؟..فالإجابة، حسب نهج الخيار والفقوس، لرأى صاحبها النجوم في منتصف النهار..ولكن ليس لمن أسماهم البرلمان باللاعبين الكبار من نصوص العدالة غير ( معليش، تاني ما تكررها)..!!