الصادق الرزيقي

هل من يسمع نداء السودان..؟


> حدثان ارتباطا بالعاصمة الفرنسية باريس أول من أمس، يستحقان التعليق والتحليل. الأول هو التفجيرات وأعمال العنف التي شهدتها أجزاء متفرقة من عاصمة النور، والثاني هو اجتماعات المعارضة السودانية وبيانها الذي خرجت به يوم الجمعة 13/11/2015م وهي زاعمة أن ستقتل مربعاً..!
> نترك تفجيرات باريس لمقال قادم، لكنا نركز هنا على اجتماعات ما يسمى بقوى نداء السودان، والبيان الصادر عنها في ختام اجتماعاتها، وقد صارت لقاءات المعارضة في العاصمة الفرنسية من كثرة تكرارها وتوالي إعلاناتها وبيانتها، ممجوجة في تشابهها مع بعضها البعض، بذات عباراتها ومفرداتها وتبويبها ولغة الخطاب المغرور المكرور، وصارت لا تغري الكثير من عامة الناس على متابعة أخبارها، دعك من قراءاتها والتماس الفائدة منها في التعبئة والتحريض أوالتبصر في أبعادها ومعانيها التي قد تشعل الثورة وتخرج الشارع الهادر.
> وينظر الناس بنوع من الشفقة لحال المعارضة بحركاتها وجبهاتها الثورية المنقسمة على نفسها، ولما يرونه من العبث السياسي الذي تمارسه، وتكفي الصورة التذكارية لاجتماعاتهم أول أمس، والملتقطة داخل قاعة باريسية بائسة ربما هي في مطعم خامل الذكر مغمور، فتكفي للتدليل على المستوى الذي انحدروا فيه وطنياً وأخلاقياً وسياسياً. فالسيد الصادق يتوسط جالساً، مجموعة من قادة الحركات المسلحة وكوادر يائسة متواجدة خارج البلاد منذ عقدين أو أكثر، تمرغت في كل الدروب الغبراء من أجل التكسُّب بعداء نظام الخرطوم، وليس لهم من علامة النصر التي رفعوها في الصور، إلا مشقة إفراد الإصبعين ورفع الأكف وأيديهم السفلى، ويشبه حالهم حال الطاولة المتهالكة التي اجتمعوا عليها بألواحها الخشبية المفككة وسيقانها المعدنية التي يسخر لمعانها الخفيض من الوجوه التي تحلم أن تأخذها رياح حظ ما، الى حكم السودان واقتلاع حكومته من جذورها.
> لكم هو محزن حقاً أن يكون السيد الصادق المهدي بجلبابه و(سديريته) الملونة وطاقية رقطاء اعتمرها ساخطاً، قاعداً هائماً، يبتسم معهم في حيرة وتيه، وهو يعلم علم اليقين أن ما يضمرونه له من حقد ورغبة محمومة في التخلص منه هو أولاً قبل الحكومة التي يعارضونها هي الحقيقة الوحيدة التي ترفرف فوق الاجتماعات..
> مجموعة من المتبطلين سياسياً، يجتمعون دون أن يعلنوا من هو رئيسهم؟ومن هو قائدهم في حربهم ضد الخرطوم..؟ وفي غياب الرئيس المعزول عن قيادة الجبهة الثورية، تمارس الحركة الشعبية قطاع الشمال كل خداعها للالتفاف عليهم جميعاً، ثم يصدرون بياناً يقررون فيه مجلساً رئاسياً يسبق تصفية النظام الحاكم دون أن يتفقوا هم على من يرأسه وكيف تكون رئاسته وتداولها، وقد تفننوا هذه المرة في استنساخ بياناتهم السابقة ولغتها الإنشائية التي عرفوا بها، مسلوخة وقشرية.. من دون مضامين حقيقية، وربما أعمل فيها نطاسي المعارضة السيد الصادق المهدي مشرطه التعبيري في تصحيح البيان فظهرت مفرداته الخاصة وطريقته المحببة المعروفة في تفصيل جلابيب الكلام..
> ليس هناك من جديد سوى أن المعارضة لاكت ومضغت مفرداتها السابقة مضغاً و(طقطقته)، كما الغواني مع العلكة اللزجة، وهي تحلم باليوم الذي تتقدم فيه لتنُّسم السلطة واعتلاء كراسي الحكم، لكن هناك بالقطع ما يلفت في البيان والاجتماعات لا تخطئه عين فاحص، فهذه الاجتماعات التي باتت تحتضنها المقاهي والمطاعم والقاعات الرخيصة في باريس، فقدت قدرتها على الجاذبية، ولم يعد يحفل بها شخص عاقل، لقد مل المواطن السوداني هذه اللغة الضائعة في أوهام الواهمين، فالخيارات الوطنية باتت واضحة وفي مقدمتها الحوار الوطني المنطلق الآن، فليس هناك وقت ينفقه المواطن وعامة الشعب في تتبع بيانات المعارضة من العواصم الغربية.. فمثل هذه البيانات شبع منها وارتوى، وظل يسمعها من قيام الإنقاذ وحتى اليوم، مذ يوم كان عود المعارضة أقوى، وسندها أشد، ودعم الخارج لها سخي ..!
> لم تستطع تجمعات المعارضة ولن تستطيع،إسقاط النظام الحاكم بالعنتريات الهزِيلة والاجتماعات الهزلّية، حتى أصاب قادتها الهزال، وهم يحاولون للمرة الألف هذا النوع من الدعاية السياسية والتهديدات الخائرة التي ما قتلت ذبابة.
> ويعلم السيد الصادق المهدي وهو جالس مع فاروق أبو عيسى الذي لا يملك حزباً وهو يمثل نفسه فقط، وأمين مكي مدني الذي يقود منظمة وهمية لا وجود لها إلا في تهويماته، وبقية القادة العسكريين القانطين المترفين المتهمين بتصفية مخالفيهم واتباعهم في معسكراتهم بدولة الجنوب، وقبلها في دارفور وجنوب كردفان وبعض دول الجوار، يعلم سيدنا الصادق المهدي أن أحصنة القصب التي يسرجها من باريس لن تأتي به فاتحاً ومنتصراً إلى الخرطوم حتى لو امتشق ومن معه سيوف العشر ..!
> ويعلم كذلك أن بيانه الذي صاغه وراجع صياغته، لن يتجاوز حافة الطاولة التي وُقع عليها، ولا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، وهو يعلم أن ثرثرات الاجتماعات تذهب إدراج الرياح، وقد ضاعت بالفعل وسط ما شهدته باريس في ليلتها المشؤومة، وليس هناك ما هو أشأم على باريس من لقاءات معارضتنا الفاشلة الحرون ..!