مقالات متنوعة

مهدي ابراهيم احمد : ومن يخبر الثور أني عنترة


كان الشاعر والفارس الجاهلي عنترة اشجع أهل زمانه حتي اشتهر بها وصفا ومعني ولقبا . ..وفي يوم ما إقتحم ثور هائج مرامي قبيلة عبس ..كان الناس ينظرون لعنترة في انه الأجدر بمجابهته نظرا لعنفوانه وشجاعته الفائقة ..ولكن عنترة خذل توقعات قبيلته الذين تأهبوا للنزال المنتظر .. فقد فر هاربا الي الجبل من الثور(الهائج) .فهتفوا به أمثلك يفر من الثور ياعنترة ؟؟ويجيبهم عنترة.. ومن يخبر الثور اني انا عنترة؟؟
كان بأمكان عنترة مجابهته ..فما ايسر ذلك ..ولكنه عرف قدر نفسه فأدرك في الفرار مقامه ..ولو واجهه حقيقة لكان الذم أقوي بالمخاطرة . .فالثور بطبيعته طائش يفتقر الي ما يملكه الشاعر .. ليس لديه مايخسره ..والاندفاع نحوه حتما مخاطرة أو أشبه بالمغامرة غير محمودة العواقب.التي قد تحيل الشجاعة المعروفة الي مراتب الطيش والجهل بالخصوم ..
هو مثال واقعي قدمه لنا الشاعر الجاهلي ..الذي فاقت مكارمه جاهليته .فغدا بالسجايا والخصال موصوفا وموسوما..فقد كان بهروبه عاقلا ..لم يساير الناس الي مايريدون ..ولكنه بمقاييسه أدرك الغاية ..فصان بفعله عقله من يهوي به الي مزالق الجاهلين الذين لايعرفون أقدار الخصوم.. ويجهلون مزايا المنافس .ورحم الله امري عرف قدر نفسه ..
في واقعنا ما اكثر الخصومات التي تفتقر الي التكافؤ في النزال والمواجهة ..ربما نجح بعضهم في جر مثال عنترة حتي هبطوا بهم الي مستواهم في المعركة والخصام.. فغاب التمييز ساعتها ما بينهم..فغدا التمييز غائبا علي شهرته .. بأندفاع كل الي صاحبه مواجها ..فتشابه الإثنان بمواجهتهما علي صراحة التمييز الاول ..
لو انا كل منا أدرك قيمته لعصم نفسه من الوقوع في تلك المهالك والخصومات بعيدا عن الولوغ فيها بتغييب العقل المتعمد ..فما أكثر أهل الجهل الذين يتعمدون ويتصيدون الفرص لإستفزاز العقلاء لا لسبب سوي تفوقهم عليهم فيحاولون جاهدين إثارة كل ما من شأنه ان يقودهم الي المواجهة المعلنه بين عاقل مشهود له (بالفضائل) وجاهل ليس لديه مايخسره سوي جهده المستمر لإنزال خصمه لمستواه في الخصام والغلبة ..
هي معارك صغيرة يأنف كل عاقل ان يجر اليها لانها لا تضيف لرصيده نجاحا ولكنها تخصم .منه الكثير .لذلك فكل ارباب العقول يتحاشون جاهدين خوض غمارها و قد يفلح أرباب الجهل حينا في جر بعضهم اليها سواء بالاستفزاز الصريح او إعلان المواجهة المباشرة .التي غالبا ماتنتهي لاصحاب الجهل بالغلبة الظافرة فقد أفلحوا في التفوق علي خصمهم بجره الي مستنقعهم في النزول والنزال …
والمنهج الرباني كان صريحا في التعامل مع أولئك (والذين اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).اذا هو صراع قديم مابين أرباب النجاح وزمرة الجاهلين..والقراءن الكريم يظهر لنا كيفية التعامل مع أولئك الذين حينا قد يغلب إستفزازهم الحكمة المشهودة .فيقعون أسري لنزاعات النفس وغواية الشيطان ..فيكون الانتصار للنفس خصما علي صاحب العقل ورصيدا لصاحب الجهل في فيصل النزاع والمواجهة المتعمدة ..
تري هل كان يعجز عنترة ان يتفوق علي خصمه ويوقفه..؟؟ بالطبع لا .. فالقوة لا تعوزه.. ولكنه يملك عقلا يفتقره خصمه.. فأختلت موازين القوي مابين عاقل يميز وجاهل مغتر ليس لديه مايخسره سوي جندلة خصمه بكل إسلوب من شأنه تدميره واهلاكه ..فرار عنترة كان (محمودا) وان جبل حب الناس علي الوقوف مع الغالب ولكنه وقوف مذموم يدفع للتحريض (خوضا) ولو تلاشي التكافؤ ..وتمايزت موازين القوي بين الخصوم ..