تحقيقات وتقارير

ارتفاع أسعار إيجارات المنازل…للمعاناة وجوه كثيرة


وفق أمزجتهم الخاصة، يفصلون الكثير من القوانين على مقاس أمنياتهم وطموحاتهم التي ترتفع بدخولهم والتي لا تلائم من يطرق أبوابهم. فما بين العرض والطلب ( يفتح الله) وما بين مالكي العقارات والمستأجرين أزمات كثيرة، الخاسر في نهايتها هو المستأجر ،خاصة أنه يصبح أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن يخضع لقانون مالك العقار ، الذي يقطنه ويذعن لكل طلباته، أو أن يجد نفسه في الشارع.
ارتفاع أسعار إيجارات المنازل ، وفقاً لهوي مالكيها ، الذين اتخذوا منها مطية للرزق الوافر ، في ظل ظروف جعلت من العقار السمة الأميز والغالبة للاستثمار، أصبح مصدر قلق للباحثين عن منازل يستأجرونها، بينما دخولهم المحدودة والثابتة لا تتناسب معها ، فيصبح للمعاناة أكثر من وجه، ثمّن وأجزم ،على ذلك عدد من الذين استطلعتهم ” المجهر”، فيما قطع الوسطاء (السماسرة) بوجود أسباب أخري قادت لهذا الارتفاع الجنوني…
جشع الملاك وغلظتهم:
كلما انتصف الشهر تنتاب آمنة المخاوف من حلول آخره، خاصة ، كلما تهيأت ، لسداد أجرة المنزل الذي يأويها وأسرتها، فهي لا تلبث أن تدفع الأجرة ،وتزيح عن كاهلها بعضاً من الهم، حتى تجد نفسها أمام شهر جديد، يتوجب معه دفع “مبلغ وقدره” لصاحب العقار الذي تقطنه. فما بين الابتهال والأمنيات باقتناء منزل جديد، تقضي “أمنة محمد” (ربة منزل) سحابة يومها ،وهي تدعو الله أن يرحمها من غلظة مالكي العقارات وجشعهم.
تقول آمنة: الإيجارات وغلاء أسعارها أصبح مشكلة يستعصى معها النوم، لأنه بجانب الالتزامات الأخرى، تجد نفسك أمام التزام أكبر، وهو “السكن”، فإما أن تقوم بدفع ما عليك من أجرة بزيادة سنوية عالية، أو أن تجد نفسك ملقي في الطرقات، فكثير من أصحاب العقار لا يهمهم سوى أنفسهم، ومنهم من أصبح مرتبطاً بارتفاع الأسعار، فكلما التهبت الأسواق ،هرعوا إلينا نحن المستأجرين بعد أن أصبحنا مصدر دخل لمعظمهم، وتضيف: المشكلة الآن أصبحت تتمثل في أن الدولة نفسها تقوم بتوزيع خطط سكنية في أماكن بعيدة، يستعصى معها السكن لبعدها عن مناطق الخدمات، وأضافت: يعني كدا مشكلة وكدا مشكلة…
زيادة طردية:
معاناة أخري، بشكل مختلف ، خاصة أن الأمر لم يكن لـ “سوسن علي” (موظفة)، سهلاً ، وهي تبحث عن شقة تكون عشاً للزوجية، فقد عانت الأمرين جراء طمع السماسرة ،بحد وصفها، وهي ترى في هؤلاء الوسطاء سبباً مباشراً وأساسياً في ارتفاع الأسعار، فقد ظلت تبحث طيلة ثلاثة أشهر، حتى وجدت شقة بجزيرة توتي ، قبلتها على مضض حتى تجد ما هو أفضل، لكن في رحلة البحث عن شقة مناسبة، خابت آمالها.
تقول سوسن: لقد أصبح من الصعب إيجاد شقة مناسبة تليق بالسكن ، وإذا وجدت تكون صغيرة في الحجم، مرتفعة الايجار، وفي أحيان كثيرة سواء، امتلكت ثمن الشقة أو لم تمتلكه، فإنه يتعذر عليك إيجاد ما تتمني، وتستطرد: أنا اعتقد أن الوسطاء بين المالك والمستأجر، هم أسباب الأزمة الحقيقية التي تشهدها، والتي عنوانها غلاء وارتفاع ايجار المنازل، لكونها تصب في مصلحتهم، فكلما ارتفع سعر إيجار المنزل زادت عمولة السمسار.
سمة عامة
خلال أربعة أعوام ، قضاها “عبد الله محمد” (موظف) بشقته بمدينة شمبات، لم تكن الزيادة السنوية منصفة له، من صاحب المنزل الذي يسكنه، ولكنه في ذات الوقت يجد نفسه مضطراً للبقاء بالشقة ،هو وأسرته الصغيرة، خوفاً من ارتفاع الأسعار، خاصة أن شقته مقارنة بشقق أخري تعتبر الأفضل، من حيث المساحة والسعر، إلا أن سنواته الأربع التي قضاها بين جنباتها، لم تشفع له عند صاحبها في زيادة سنوية وفقاً، لعقودات الإيجارات.
يقول عبد الله : العام الماضي وجدت نفسي أمام مزايدة رخيصة من مالك العقار الذي أسكنه، فقد طالبني بزيادة سعر الإيجار مبلغ 400 جنيه دفعة واحدة أو إخلاء المنزل ، متذرعاً بأن الشقة المقابلة لها، والأصغر منها في المساحة ،تم تأجيرها بمبلغ 1700 جنيه، فيما يبلغ سعر إيجار شقتي 1100 جنيه، ويضيف: في ظل الظروف المحيطة بي وجدت نفسي أوافق على مطلبه خاصة أن ارتفاع الأسعار، أصبح سمة عامة حتى في المناطق القصية .
الهجرة الداخلية والخارجية
وفي سوق مكاتب العقارات بالعاصمة، تعددت أسباب ارتفاع أسعار إيجارات المنازل، فأصحاب هذه المكاتب أنفسهم لا يملكون سبباً بعينه للزيادة، واعتبار الأمر فرصة للاستثمار يجب اغتنامها، فيما يري آخرون أن الوجود الأجنبي والهجرة الداخلية هي التي أدت إلي كثرة الطلب على المنازل ، وبالتالي ارتفاع أسعارها، فقد أرجع “مصطفى محمد محمود” صاحب مكتب عقارات في حي كافوري، ارتفاع الأسعار إلى زيادة الطلب على مساكن الإيجار، نسبة لكثرة الأجانب والهجرة الداخلية من الولايات، إضافة لما اسماه بتغيير ثقافة السودانيين، المتمثلة في ضرورة إيجار شقة، كلما أتي قادم من الولايات أو من خارج البلاد لقضاء إجازته ، بعد أن كانوا يحلون ضيوفاً في منازل أقربائهم.
“مصطفى” لفت في حديثه لـ (المجهر) إلى أنه رغم قيام عدد كبير من المنشآت العمرانية الحديثة، إلا أنها لا تكفي حاجة الناس نسبة للزحف الكثيف نحو العاصمة، وأن عملية الإيجارات أصبحت مرهقة بالنسبة للمواطنين، الذين دوماً ما يشتكون من ارتفاعها ، الأمر الذي أضطر بعضاً منهم للاستغناء عن المدارس الخاصة لأبنائهم، حتى يوفروا ثمن الإيجار ، بحد قوله.
إيجار وفقاً لعدد الأسرة
وأبدي “نجم الدين الحواتي” صاحب مكتب (عقارات الكنزي) بشمبات الأراضي ، استنكاره لارتفاع الأسعار ، الذي وصفه بغير اللازم، حيث أنه لا توجد زيادات جديدة في العوائد أو الضرائب على مالكي العقارات، حتى ترتفع الايجارات بهذا الشكل، إلا أنه عاد وعزا الأمر إلى الارتفاع العام في الأسعار بشكل عام، قائلاً: ” صاحب العقار كل ما يلقى حاجة غالية (يعصر) على المواطن، الزيادة أكثر من اللازم ولا داعي لها، فقد أصبحت تشكل هاجساً للشباب”، مضيفاً: (أنا الآن دفتري مليان بطلبات في حدود 1500 جنيه، وما قادر أوفيها، لأن متوسط الأسعار يتفاوت مابين 2500 إلى 3000 جنيه في أحياء الصافية و البراحة وكافوري مربع (9، 10، 11).
“الحواتي” لفت أيضاً إلى وجود ظاهرة جديدة من قبل ملاك العقارات، وهي ربط الإيجار بعدد أفراد الأسرة، الأمر الذي يعني عدم تأجير السكن لأي أسرة يعدي عدد أفرادها أربعة أشخاص.
حسب موقع الحي
في الوقت الذي تصنف فيه أحياء بعينها داخل الخرطوم، مثل (العمارات ـ الرياض ـ الطائف ـ قاردن سيتي ـ المنشية) بالراقية ، وتتميز بارتفاع أسعار إيجارات المنازل فيها، من واقع تميز هذه المناطق، من ناحية قربها من وسط المدينة و للمطار، نجد بالمقابل انضمام حي اركويت، لها باعتباره حيا جاذبا وذلك لقربه من (عفراء مول) و(الساحة الخضراء) و(المطار)( وفندق السلام روتانا) وجامعة افريقيا العالمية ، والعديد من المؤسسات والمرافق الخدمية الهامة، وبحسب “سرحان حسن” صاحب مكتب عقارات بالخرطوم، فإن متوسط أسعار إيجار المنازل بضاحية اركويت للغرفة الواحدة تراوح ما بين 2000 جنيه إلى 2500 جنيه، فيما بلغ سعر إيجار الشقة ذات الغرفتين والصالة ، كسعر متوسط ،من مبلغ 3000 إلى 3500 جنيه.
سعر الشقق المفروشة ،وفقاً لمحدثي، بالمنطقة ذاتها، تراوح ما بين 5000 إلى 6000 ألف جنيه في الشهر، كما أن قرب المنطقة من جامعة أفريقيا العالمية، ساهم أيضا في ارتفاع أيجارات المنازل نسبة لتوافد الطلاب الأجانب للدراسة، إضافة لتوافد جنسيات مختلفة للعيش بالسودان في الآونة الأخيرة.
ثراء سريع
وفي بحري ، ليس الأمر بأقل حالاً . فقد تراوح متوسط المنازل بكافوري ما بين 2500 جنيه إلي 3500 جنيه، بحسب (علي تميم الدار ) ،صاحب مكتب عقار بطيبة الأحامدة ، مربع 20، لافتاً في حديثه لـ(المجهر) إلى أن كثرة الطلب على الشقق أدى إلى ارتفاع أسعارها نسبة لارتفاع الهجرة الداخلية وكثرة الأجانب.
وبخلاف ذلك ،فقد أرجعت “حباب محمد” ـ تعمل في مكتب عقارات الحلفايا ـ ارتفاع أسعار الإيجارات، إلى طمع وجشع أصحاب العقارات، فهم ،بحد قولها، ينشدون الثراء السريع على حساب المواطن.
أجرة المثل

في محاولة منه لإبعاد اللائمة عن عاتقهم كمالكي عقارات، لفت العم (مصطفى حسن)، وهو مالك عقار بمدينة بحري، في حديثه لـ(المجهر) إلى أن ما يدفعهم لرفع قيمة الإيجار، هو ما تفرضه عليهم الدولة من عوائد وضرائب، الأمر الذي يجعلهم، في أوقات كثيرة، يطلبون من المستأجر التنكر في هيئة مالك عقار، كلما جاء موظف يريد تحصيل العوائد والضرائب.
المحامي “أسعد الباشا” أكد لـ(المجهر) أن قانون الإيجارات للعام 1991 بحاجة ماسة للتعديل ، حتى يواكب المشاكل المستجدة في الإيجارات، ما بين المستأجر ومالك العقار بسبب ارتفاع أسعار الأجرة، خاصة أنه لا يوجد قانون يحدد أجرة المباني، والأمر متروك ، حسب العرض والطلب، في حالة وجود عقد، أما في حالة انتفائه يحق للقانون التدخل لتحديد الأجرة ،وفقاً للأسعار في المنطقة ، وهو ما يسمي (بأجرة المثل).
استغلال مخالف
الجشع والمغالاة والتحايل وفقاً لـ ” الباشا” ، أكثر ما يقود المستأجر ومالك العقار إلى معترك المحاكم، في الوقت الذي يضمن فيه العقد حق المستأجر لمدة سبع سنوات، ولا يحق له مغادرة المنزل إلا لحاجة ماسة، كالفشل في دفع الأجرة أو استغلال العقار استغلالاً مخالفاً لطبيعته، أو في حالة بيع العقار بعد إمهاله ـ أي المستأجر ـ ستة أشهر، ولكن خلاف ذلك فلا. طالب الباشا، في الوقت نفسه، المستأجر بضرورة معرفة حقوقه فيما يتعلق بالزيادة السنوية، التي لفت إلى أنها ،وفقاً للقانون تمثل 6% من قيمة الأجرة ،وليس 10% كما يعتقد كثيرون. وتأتي هذه الزيادة وفقاً للإصلاحات التي يجريها مالك العقار في المنزل، أما خلاف ذلك فلا وجود لزيادة 6% سنوياً.

المجهر السياسي


تعليق واحد

  1. الكثير من اصحاب العقارات وعلى وجه الخصوص الشقق السكنية يعتمدون على ايجار هذه الشقق في تسيير حياتهم المعيشية ومعظمهم من المغتربين العائدين من الاغتراب . المغترب عند بيت ساكن فيه وعامل شقه أو اثنين فوق يعتمد عليهم اعتماد كلي في معيشته وما عند حل مع الزيادة الجنونية في نفقات المعيشة غير المطالبة المستمرة برفع اليجار .