عبد الباقي الظافر

مرحلة ما بعد الجبهة الثورية..!!


في أحد أيام الجمعة من شهر سبتمبر 3102 وجد الإمام الصادق المهدي نفسه في موقف لا يحسد عليه.. الانتفاضة التي يبحث عنها جاءت تطرق أبوابه.. قبل ذلك بثلاثة شهور كان الإمام المهدي قد توعد بإسقاط الإنقاذ عبر فكرة جمع التوقيعات أوما اصطلح عليه آنذاك بتذكرة تحرير.. المهم أن تذاكر الإمام لم يقبل عليها الجمهور.. في تلك الجمعة تجمع مئات من الشباب الغاضبين في مسجد السيد عبدالرحمن منتظرين أن يقود الإمام انتفاضتهم الشعبية.. الإمام تراخى بحجة أن لا أحد يعلم نهاية مظاهرات ذاك الشهر.. كثير من المراقبين يعتقدون أن حزب الأمة و غيره من الأحزاب لم يتحمس لتلك التظاهرات الشبابية.
منتصف الأسبوع المنصرم تجمع عدد من السياسيين السودانيين في العاصمة الفرنسية.. احتضنت مدينة النور حزب الأمة والجبهة الثورية و تحالف قوى الإجماع الوطني بالإضافة لبعض التنظيمات المهنية.. الناظر للتحالف الجديد يراه جاء كرد فعل للتقارب بين الإسلاميين في الوطني والشعبي.. إلا أن نظرة أخرى تجد فيه بعداً جديداً.. القوى المجتمعة في باريس توافقت على مبدأ مجلس رئاسي لقيادة التنظيم الجديد.. هنا يجد كل من القوى الفاعلة حل لأزماته.. حزب الأمة الباحث عن دور ربما سيجد مقعداً شاغراً يليق بحجمه السياسي وبعده التاريخي.. الجبهة الثورية التي أرهقتها الانشقاقات الأخيرة ستجد كياناً جديداً يمنح مالك عقار فرصة جديدة بعد تصفير العداد.. تحالف قوى الإجماع سيجد مظلة سياسية تجمعه مع حزب الأمة الغريم السابق.
إلا أن الأهم من ذلك أن الإمام الصادق المهدي قد استطاع هذه المرة ببراعة من سحب المعارضة من المربع العسكري.. إعلان باريس الجديد حدد هذه المرة آليات التغيير بشكل واضح وصريح.. انتقال سلمي وسلس ومجمع عليه أو انتفاضة شعبية تدك حصون الإنقاذ حتى لا يبقى فيها حجر على حجر وذلك على حد تعبير البيان الختامي.. حتى الانتفاضة الشعبية تم تحديد مساراتها عبر حملة إرحل بجانب حملات إيقاف الحروب.. وهنا لم يتم وضع الخيار العسكري ولا حتى من باب الاضطرار.. نلاحظ في إعلان باريس الأول الموقع في أغسطس 4102 أن روح الغضب كانت مستشرية وتم تحميل حكومة الإنقاذ مسؤولية استشراء العنف.. في هذا التحميل تبرير مبطن لحمل المعارضة للسلاح.. كما تم تحديد مسار الحوار بحيث يفضي إلى حكومة انتقالية تقوم بتصفية دولة الحزب ورعاية العدالة الانتقالية ثم الإشراف على انتخابات قومية.
في تقديري أن الإعلان لم يحمل جديداً غير أنه جمع قوى المعارضة في جبهة واحدة.. كما أنه مكن المعارضة من تجاوز خلافات داخلية بين مكوناتها خاصة في الجبهة الثورية وذلك عبر الهروب للامام.. حيث تم تكوين مجلس التنسيق الجديد من الدكتور جبريل إبراهيم عن حركات دارفور و عبدالعزيز الحلو عن الحركة الشعبية بجانب الإمام الصادق المهدي.. وفي هذا تجاوز واضح لمرحلة الجبهة الثورية.
بصراحة.. اجتماع المعارضة الرافضة للحوار في منظومة مدنية ييسر من الحل السلمي.. حيث يضع ضغوطاً على الحكومة في اتجاه الاستجابة للحلول الواقعية.. في ذات الوقت يبعد المعارضة من الأجندة الحربية.. بين أماني المعارضة الجديدة وواقع الحكومة ستكون مساحة التنازلات التي تفضي إلى الحل الشامل.