أبشر الماحي الصائم

وﻻ عزاء للتاريخ


* تنشط هذه الأيام بعض الأصوات التي تقول (بتخلف) الدامر عمرانياً !! .. مع احترامنا الكامل لهذه الرؤية، إلا أننا في المقابل نرى أن واحدة من أشهر مكتسبات هذه المدينة يكمن في احتفاظها بطابعها التاريخي، فمن أراد أن يقف على التاريخ طازجاً فليأتِ إلى دامر المجذوب!! .. فنخشى والدعوة هذه، أن ينهض معتمد ثائر بمعول وجرافات التحديث والإعمار، فيطمس ذلك التاريخ بأدهنة البوماستك وزجاج البيرسول وحجارة الكلادن!! .. يا إخوتي.. إن أمبراطورية مثل الولايات المتحدة الأمريكية برغم تقدمها المعماري الرهيب، ظلت عقدتها الباهظة أنها (دولة وشعب بلا تاريخ) !! .. أرأيتم كيف هاج الثور الأمريكي عقب أحداث سبتمبر ، وطفق في العالمين تقتيلاً وفتكاً وتشريداً.. فقط أن تلك العمارات المنهارة كانت بمثابة التاريخ البديل!! .. وكانت واشنطن قد ذهبت في بناء أعلى ابراج في العالم في شبه جزيرة مانهاتن بنيويورك لتعويض خسارة التاريخ !!
* وفي المقابل فما أسهل، في بلاد النيل والشمس والصحراء، عمليات التخلص من التاريخ تحت مسوغات الإعمار (الخراب) !!..
ﻻ زلت أذكر يوم أن جثوت على ركبتي أمام ﻻفتة عتيقة لمدرسة بربر الأهلية كتب عليها (تأسست عام 1902) .. وأصبت يومها بالرعب وفي خلدي أن قومي يمكن بكل سهولة.. أن يستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو أغلى !! على أن ينهض ذات يوم أحد الأفندية الثأئرين بجرافة فيحطم هذا التاريخ بمسوغ الإصلاح والتحديث والإعمار !!
* فالذي يدهشك في عاصمة المجاذيب هذا التاريخ، فقد اتخذها لأول مرة الشيخ حمد بن عبد الله الجد الأكبر للشعديناب (دمراً) له، أي مقراً، كان ذلك في القرن الخامس عشر الميلادي !! فضلاً عن أنها (مدينة علمية بامتياز) حتى قال عنها أحد الرحالة “إنها المدينة العلمية التي يحكمها العلماء” على أن مدن العلم والجامعات هي مكان للهدوء وليس للضوضاء والترف المعماري والزخم، وفي هذا السياق قال عنها الشاعر توفيق صالح جبريل ” يا دامر المجذوب ﻻ أنت قرية تبدو بداوتها وﻻ بندر”.. فسطوة العلم والعلماء هي التي شكلت دعامة الأمن التي نهض على متن أمنها تاريخها الممتد، فضلاً عن أنها على مدى الأزمان ظلت ملتقى بين (أهل المطر وأهل البحر) .. عندما يمتزج المطر بالبحر بالجالوص، يصبح للتاريخ هتاف وللتراث عطر وللشعر مذاق وللحياة معنى آخر !!
* وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، أنا هنا ﻻ أدعو إلى تجريد المدينة من كل المكتسبات، بل ندعو إلى أن ترصع بالخدمات، وتحتشد بالمؤسسات سيما العلمية، فقط أن لا يكون ذلك على حساب طابعها التاريخي، على أن تظل (البلدة القديمة) بجالوصها مسورة محصنة، مع عدم المبالغة في (مكياج) ما يستحدث من معمار !!
* لكننا ﻻ نملك إلا التضامن مع دعوات أهلها بالتخلص من عمليات تسميم الهواء بفعل مصانع الأسمنت !!
* مخرج .. الشاعر محمد المكي إبراهيم
مدينتك الهدى والنور
مدينتك القباب
ودمعة التقوى ووجه النور
وتسببح الملائكة في ذؤابات النخيل
وفي الحصى المنثور
مدينتك الحقيقة والسلام
على السجوف حمامة
وعلى الربى عصفور
مدينتك الحديقة
هنالك للهوى أريجه النبوي
موصوﻻً بأنفاس السماء وكأسها الكافور ….