الطاهر ساتي

طحن الحقائق..!!


:: زاوية أمس الأول، إستنكرت الأسعار التي فرضتها شركة سيقا على دقيق المخابز، (154 جنيهاً) بدلاً عن (130 جنيها)، ووصفت هذه الزيادة بأنهاغير مشروعة و نوع من الكسب الفاحش على حساب المواطن وليس الحكومة كما يتوهم البعض.. ثم قلت – فيما قلت – بأن شركة سيقا كانت قد أوقفت مطاحنها عن العمل ثلاثة أسابيع لتجس نبض المخابز و لتتراجع وزارة المالية عن سعر دولار القمح ( 6 جنيهات)، ثم عادت مطاحنها إلى العمل والتوزيع ولكن بتلك الزيادة غير القانونية ..هكذا كان ملخص تلك الزاوية..!!
:: وعقبت شركة سيقا يوم أمس بالنص : ( إن قولك: أوقفت شركة سيقا مطاحنها ثلاثة اسابيع لجس النبض، وبأن المطاحن توقفت في فترة بعينها للي يد الحكومة قول غير صحيح، ذلك ان كل الجهات ذات الصلة كانت تعلم أسباب التوقف والتي تتلخص في عدم توفر القمح بسبب اشكالات فتح الإعتمادات والجدير بالذكر أن هذا الأمر هو المتسبب في خفض الإنتاج لحوالي 50% طيلة الفترة الماضية )..هكذا نص تبريرها لتوقف مطاحنهاعن الطحن، عدم توفر القمح ..!!
:: للأسف، هذا التبرير غير صحيح ..فالمالية ليست في زٌحل ولا المخزون الإستراتيجي في عطارد.. بتاريخ (19 اكتوبر)، وبتصديق وكيل المالية، سلم المخزون الإستراتيجي (30.000 طن) من القمح الروسي لشركة سيقا، ثم كميات أخرى للمطاحن الأخرى، وتم ذلك بسعر الطن (1.620 جنيه)، أي بسعر الدولار (6 جنيهات)، على أن يباع الدقيق للمخابز بسعر الجوال (116 جنيها).. فاستلمت كل المطاحن حصتها وطحنتها ووزعتها بالسعر الرسمي (116 جنيه زايد تكاليف الترحيل)، ولكن سيقا رفضت إستلام حصتها.. ثم عادت طوعا بتاريخ (1 نوفمبر)، وإستلمت حصتها تلك – من ذات القمح الروسي – ودفعت ذات القيمة المعلنة للطن (1.620 جنيه).. وبدلا عن الشروع في الطحن والتوزيع بالسعر القانوني كما فعلت كل المطاحن، توقفت أسبوعاً وآخر..ثم عادت وطحنت وكادت توزع طحينها للمخابز بالسعر غير القانوني – 154 جنيها – بتاريخ (13 نوفمبر)..هكذا الوقائع التي تنفي تبرير عدم توفر القمح، فما لكم كيف تطحنون الحقائق ..؟؟
:: ثم بررت سيقا سعرها غير القانوني (154 جنيها)، بالنص القائل : ( الزيادة طرأت على نوع محدد يختلف عن الدقيق العادي، وله سعر مختلف، ويطحن هذا النوع في بورتسودان، وإن نتجت فروقات في الأسعار فهي بسبب تكاليف الترحيل، والأهم من ذلك أن هناك ضوابطاً واضحة تضعها الشركة أن هذا النوع من الدقيق يباع فقط للمخابز التي تلتزم بعدم تغيير سعر الخبز حتى لايتأثر المواطن).. هكذا نص التبرير ..!!
:: وللأسف، هذا التبرير غير قانوني بدليل عودة سيقا إلى التوزيع بالسعر الرسمي بعد تدخل السلطات..وعدم تأثر المواطن بالسعر غير القانوني نوع من طحن الحقائق، فالمبدأ العام هو الإلتزام بسعر البيع المتفق عليه كما إلتزمت كل مطاحن السودان..ثم بغض النظر عن نوع الدقيق، عادياً كان أو مدهشاً، فأن زيادة جنيه – واحد فقط لاغير – على أسعار الدقيق والأدوية والوقود ليست من سلطات وزارة المالية ذاتها، ناهيك بأن تكون من سلطات الشركات..كل السلع المدعومة – بما فيها دقيق سيقا- خاضعة للسلطات الرقابية وقوانيها..والمالية لها فقط سلطة إقتراح زيادة أسعار تلك السلع، ثم تعرض الإقتراح لمجلس الوزراء، ليرفع المجلس الإقتراح – عبر الوزير المختص- للبرلمان، ليرفضها أو يقبلها بالتصفيق والتهليل (كما فعلوا سابقاً)..هكذا نظم الدولة التي تحترم شعبها وقوانينها..ولكن نُظم الدولة وقوانينها في بلادنا أوهن من بيت العنكبوت، ولذلك تجرأت سيقا وفاجأت الدولة والقانون والأفران والمواطن بذاك السعر و بهذا التبرير..!!