منى سلمان

يبلغن عندك الكبر


اجلستها حاجة النعمة في البرندا الداخلية، بعد ان سارت خلفها عبر الحوش والغرفتين، حتى تتمكن الحاجة من ايجاد مكان يناسب الجلوس، لاستضافة ضيفتها التي نزلت عليها فجأة في ذات ضهرية ..
ضايرت بعض الملابس المكومة في السرير ونفضت الملاية، فتطاير الغبار قبل ان تطلب منها الجلوس وهي تعتذر عن جوطة المكان، بان حفيدتها التي ترسلها امها لتلبية متطلبات جديها كانت مريضة ولم تتمكن من تنضيف البيت ..
بعد انسحاب حاجة النعمة لمطبخها لتحضر الضيافة، توهطت سوسن بحرص في جلستها، ثم جالت بناظريها تتفقد ما حولها .. كان المكان عبارة عن برندا طويلة بها نوافذ تكسر اغلب الزجاج الذي يغطيها مما سمح بدخول الغبار الذي غطى الاثاث بطبقة كثيفة توحي بانه لم تطالها يد التنفيض منذ عقود .. سرحت برهة تتأمل كوم الوسخ المخموم في احد الاركان، والذي لم يهتم من كنس المكان باكمال جميله وخم الوسخ، فقد بنى عليه العنكبوت خيوطه من طول كويمته في الركن البعيد الهادي ..اكوام من الملابس المتسخة والنضيفة سيان تناثرت على الاسرة المغبرة .. بعض الالعاب المحطمة الملقية على الارض بالاضافة للفضية القديمة التي تقبع في الركن وما عليها من اثار شخبطات الشفع على الغبار الذي غطى زجاجها برسوم سريالية .. كلها كانت تؤكد على ان اقدام الاحفاد قد مرت من هنا وبالتالي لابد ان امهاتهم كانوا هنا ايضا !!
زجرت سوسن نفسها بصعوبة من محاولة تأمل ما حولها وانحنت الى الارض وهي تفكر في بنات حاجة النعمة الاربعة المتزوجات واللاتي انتقلن من منزل الاسرة ليبنين عششهن الخاصة، وتركن امهن واباهن في رفقة زوجة اخيهن الوحيد الذي اقتطع الصالون وغرفة الضيوف واقام حولها سور في ركنه مطبخ صغير لعروسته الجديدة والتي اشترطت عليه ان يفرز ليها عيشتها منعا للمشاكل مع اخواته البنات ..
حسنا .. ما بين الانشغال بحيواتهن الخاصة وكثرة التزاماتهن العملية بالاضافة لرعاية البيوت والعيال، وبين الاعتماد على وجود زوجة الاخ في البيت الكبير لاسكات الضمائر ان هف لها ان تنغز عليهن، جراء بعدهن عن رعاية والديهن والعناية بهم، خاصة بعد ان اقعد الكبر والمرض والدهن والزمه فراش المرض، وحد السكري والضغط ومعاناة الكرعين من الالام الرطوبة والدتهن من رعاية بيتها وزوجها طريح الفراش، وصار غاية ما تتمناه وتطلبه من بر بناتها ان يرسلن بالتناوب حفيداتها الصغيرات الملقلقات لقش البيت وقضاء المراسيل للحبوبة ..
هزت سوسن راسها حينما وصلت لتلك الفكرة وحدثت نفسها بان تجد العذر لزوجة الابن التي اكتفت بسد دي بي طينة ودي بي عجينة وتجاهلت وجود نسيبيها في الجزء الاخر من البيت .. فاذا قصرت بنات المصارين فما الداعي للوم الغريبات ؟!
احضرت حاجة نعمة كوب من عصير الليمون وجلست تتانس مع ضيفتها قريبتهم التي تقيم في مدينة اخرى، والتي جاءت لزيارة اسرتها في الاجازة فطلبت منها امها ان تذهب لزيارة حاجة النعمة صلة رحم وللاطمئنان ايضا على صحة زوجها .الـ في الحسبة جدها باللفة ..
اكملت سوسن كباية العصير وقامت معتذرة للحاق ببقية مشاوير واجبة القضاء قبل عودتها، وطلبت من الحاجة ان تذهب بها للسلام على الجد .. قادتها حاجة النعمة نحو راكوبة لا شرقية ولا غربية ياتيها رقراق الشمس من كل فرقة في سعفات سقفها المتداعي حيث كان الحاج يرقد مسجيا على فراش خفيف بدون مخدة يكاد لا يبين لشدة نحافته .. اقتربت منه وانحنت لتسلم عليه لتلفحها رائحة الصناح النفاذة التي تشي عن فقدان الجد لتحكمه فيما يخرج من السبيلين وافتقاده للرعاية والنضافة الشخصية .. سلم عليها بيد مرتعشة وسألها عن حال زوجها وعيالها وطول البعد وقلة الشوفة فخنقتها العبرات …..
مخرج:
في معنى الاية الكريمة (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) صدق الله العظيم .. يقول المفسرين ان لفظ (عندك) تعنى ان تكون مع والديك وعند حاجتهم فلا تحوجهم لمزلة استجداء الرعاية والعناية .. حسبنا الله ونعم الوكيل