يوسف عبد المنان

الأزمة القادمة


{ أصبحنا فقط ننتظر أن تهبط علينا إعانات الدول الخليجية من هبات وقروض دولارية تغطي حاجة البلاد من القمح والوقود، ولا تلوح في الأفق القريب بوادر حل للأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا منذ سنوات، حتى توقفت كل مشروعات التنمية الكبيرة من طرق وسدود وتنقيب عن البترول وتطوير للزراعة وزيادة الإنتاج والحصول على منافذ تسويقية للحاصلات الزراعية، تطمينات تبثها ولاية الخرطوم عن وصول بواخر محملة بغاز الطهي قادمة من الخارج بينما الغاز السوداني يتم التخلص منه بالحرق في فضاء مناطق إنتاج البترول بسبب عجز الحكومة عن الاستفادة من آلاف الأطنان من الغاز الذي يخرج من آبار البترول خاصة في مناطق بليلة وشرق الفولة . وغاز الطهي الآن بات عملة نادرة في الخرطوم والولايات وعادت كثير من الأسر للبحث عن الفحم النباتي الذي يبلغ سعر جوال الفحم الآن 300 جنيه وأصبحت الأسر تترقب الحصول على أسطوانة الغاز كشيء نادر.. وعادت الكهرباء لتغيب وتحضر وفق برمجة تقول الحكومة إنها عادلة بسبب النقص في التوليد الحراري والمائي بعد أن زاد الاستهلاك أضعافاً مضاعفة لما كان عليه قبل سنوات.. والأوضاع الاقتصادية التي تنحدر إلى أسفل بسرعة متناهية جعلت الحكومة تلهث فقط وراء (الهبات) والقروض والإعانات و(السلفيات) من الدول العربية..ينتظر السودانيون بأسى وألم أن تنفرج الأوضاع بعد أي زيارة للرئيس لدول الخليج التي تجود علينا بأقل كثيراً من احتياجاتنا الضرورية حيث تبلغ الفجوة بين عائدات الصادر وحاجتنا من العملات إلى نحو 2.5 مليار دولار في السنة ويقدر الاقتصاديون فاتورة القمح والوقود بنحو 4 مليارات دولار في السنة والأدوية المنقذة للحياة ب2 مليار دولار وفي الصيف القادم يتوقع عجز كبير في الكهرباء بسبب ضعف مخزون المياه خلف بحيرة سد مروي وشح الأمطار والفشل في دفع متأخرات ديون حكومة الصين التي توقفت عن إكمال مشروع محطة كهرباء الفولة التي كان يمكن أن تساهم في تحسين الإمداد الكهربائي وبسبب خطل السياسات الزراعية وكوارث القطن المحور وراثياً فشلت المالية في تسويق 300 ألف بالة من القطن (مرمية) الآن في ميناء بورتسودان لم تجد من يشتريها ولا من يحاسب الذين تسببوا في ذلك .. وحتى مصانعنا الكبيرة للسكر تواجه معضلات كبيرة .. سكر النيل الأبيض يجسد مأساة إهدار المال في مشروعات فاشلة .. وبعد أن امتص هذا الصرح كل قدرات البلاد فشل فشلاً ذريعاً .. بينما كنانة التي كانت تمثل نموذجاً للمشروعات الناجحة ظلت لأكثر من عام بلا مدير يديرها وقد نجحت الحكومة في إبعاد “محمد المرضي” وفشلت في تعيين مدير جديد حتى الآن رغم التحسن الكبير في العلاقات مع الكويتيين والسعوديين وهما أكبر المساهمين في كنانة التي تنتظر الحماية من الحكومة بإغلاق منافذ استيراد السكر من الخارج حتى تستطيع السيطرة على السوق المحلي.. وقتامة الأوضاع الاقتصادية الراهنة مع فشل الموسم الزراعي في مناطق عديدة بالسودان وتأثر القطاع الرعوي بشح الأمطار وإغلاق حكومة دولة جنوب السودان لحدودها في وجه الرعاة وسيطرة التمرد على المناطق الرعوية الغنية في النيل الأزرق وجنوب كردفان تبدو الأوضاع الاقتصادية صعبة جداً ،وقد فشلت كل محاولات كبح جماح الدولار الذي يصعد بسرعة متناهية .. والسوق يمتص رحيق جيوب الموظفين في أيام معدودة .. فإن السواد الأعظم من الشعب يعيش وضعاً مأساوياً .. وكل ما دعا العقلاء لوقف الحرب وإقرار السلام وتوظيف العائدات على قلتها لصالح الشعب في قوته وعلاجه أعلن المتشددون رايات الرفض والتحدي والاقتصاديون في بلادنا (يخافون) على مصالحهم المرتبطة بالحكومة والوظائف من الإفصاح عن حقائق الوضع ومآلات المستقبل في حال ظلت البلاد على ما هي عليه الآن .