الطاهر ساتي

إعلام أشتر …!!


:: ما يحدث للسودانيين في مصر، يحدث لبعض الأفارقة في السودان أيضاً.. إنها الحقيقة الصادمة، وعلينا الإعتراف بها ثم تجاوزها بوعي يرى الإنسان (إنساناً)، بغض النظر عن (جنسيته) وسياسة حكومته..وكما يحرض الإعلام المصري أجهزة دولته وبسطاء شعبه ضد السودانيين، هنا أيضاً عندما تعكس وسائل إعلامنا قضية الوجود الأجنبي لا تتجاوز محطة تحريض أجهزة الدولة و بسطاء شعبنا على بعض الأفارقة، وذلك بإثارة أحداث وقضايا وجرائم وأمراض غير مبرأ منها المواطن أيضاً..فالإيدز – على سبيل المثال – حين يُكتشف فيروسه في أجنبي يصبح حدثاً مدوياً يستدعي ترحيل (كل الأجانب).. والسرقة حين يرتكبها أجنبياً تصبح كارثة تستدعي ترحيل (كل الأجانب)..هكذا يُناقش إعلامنا أية قضية طرفها أجنبي، أي بمعيار ( الشر يعُم )…!!

:: واليوم بمصر يواجه بعض السودانيين القانون.. عددهم لا يتجاوز الخمسة، حسب إفادة مدير مكتب الشروق وبعض المصادر بالسفارة السودانية بالقاهرة..وهم الآن في أقسام الشرطة بغرض التحري والتحقيق في قضايا ذات صلة بتجارة العملة والتزوير، وقد تتم إدانتهم أو تبرئتهم حسب الأدلة..قضية عادية وتحدث في أرقى الدول..ولكن الإعلام الأشتر هناك – كما يفعل الإعلام الأشتر هنا – نجح في تحويلها إلى قضية رأي عام تستهدف الوجود السوداني في مصر..وبتأثير الإعلام المصري الأشتر، صار أي سوداني هناك متهما من قبل الشارع المصري وشرطته بالتزوير وتجارة العملة، وهذا ما أسمته وزارة الخارجية السودانية بالإساءة ..!!

:: وصدقاً هي إساءة وإهانة لكل أهل السودان.. ولكن الأمر بحاجة إلى تصحيح مفاهيم وإصلاح ما أفسده التناول الإعلامي الأشتر لقضية الخمسة متهمين .. بالدبلوماسية والإعلام الراشد – وليس بالتهريج وحملات الكراهية – يجب مخاطبة الشارع المصري حتى يتبين له بأنه من (ضحايا التضليل)..كثافة الجالية السودانية بمصر تُعد بالملايين، وليست من الحكمة أن تدفع هذه الكثافة العالية ثمن غباء الأغبياء (هناك وهناك).. وعلينا أن نعلم بأن الأقوى تأثير بالتناول الإعلامي الأشتر هما الشارعين السوداني و المصري – ومواطنهما البسيط – وليس الحكومات التي لم يصدر عنها حتى الآن ما يسئ للشعبين..!!

:: والمهم جداً..السودان ومصر – كما كل دول العالم الثالث والأخير- بحاجة إلى إستقرار سياسي ثم أنظمة قادرة على إدارة (الموارد البشرية)، وبالفشل الداخلي تخلق الأنظمة الفاشلة معارك وهمية يشغل بها الرأي العام عن قضاياه الأساسية .. فالموارد البشرية – بمكوناتها الوطنية والأجنبية – كما كل الموارد تحكمها آليات وأحكام الحقوق والواجبات.. والفوبيا المسماة بالوجود المصري بالسودان والوجود السوداني بمصري لم تعد إلا من كوابيس وأوهام (الدول المتخلفة)، ذات الأنظمة الفاشلة على إدارة الحقوق والواجبات..!!

:: فالدول المتحضرة تجاوزت هذا التخلف بحسن وسلامة (الإدارة العامة)..وهوية الإنسان في عالم اليوم – في إطار الحقوق والواجبات – لم تعد هي تلك الهوية ذات التصنيف التقليدي ( مواطن و أجنبي).. فالخيوط التي تفصل المواطن عن الأجنبي – في الحقوق والواجبات – صارت رفيعة للغاية.. وحرية التنقل والإقامة والعمل – في إطار قوانين الدول – من حقوق أي إنسان..وبعيداً جداً عن السياسة وتقاطعاتها وأجندتها، الشعوب والقبائل والأوطان ( للتعارف فقط لاغير)، وليس للكراهية والتوجس..والأصل في الحياة هو يكفي أن أراك إنساناً وتراني إنساناً أيها ( الإعلام الأشتر)..!!


تعليق واحد

  1. مقال رائع جدا جدا . وهكذا يجب أن يكون تناول القضايا بين (الدول) وكان يجب على الخارجية التصريح بمحتوى مثل هذه المقالات وليس الانجرار وراء إعلام أشتر وكتاب على قفاف لمن يشيل