الصادق الرزيقي

حيطة مصر القصيرة!!


> لا حديث ولا حدث يشغل الرأي العام السوداني أكثر من الانتهاكات والمضايقات الخطيرة والمحزنة التي يتعرض لها السودانيين في مصر، وهي بلد جار ولدينا معه اتفاقية للحريات الأربع تمنح أبناء البلدين حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، ولا جدال في أن السودان يطبق هذه الاتفاقية بحذافيرها! وكذلك كانت مصر برغم القصور والتراجع الفادح في تطبيقها، لكن ما يحدث الآن فيه تعسف وتشدد لا مبرر له، ولن يرضاه أي سوداني مهما كانت الأسباب والتبريرات التي يقولها الجانب المصري.
> ودون الخوض في التفاصيل والأدلة الموثَّقة للمضايقات او الاستهداف الذي وصل حد القتل للمتسللين عبر سيناء الى الحدود مع فلسطين المحتلة، يمكن تفسير هذه التطورات ووضعها في السياق المفضي لفهمها، فسلوك السلطات المصرية سلوك غريب ومشين وموغل في العنف ضد السودانيين ولا يتوافق مع طبيعة العلاقة بين بلدين جارين، كثيراً ما توصف علاقاتهما بأكثر من علاقة الشقيقين وأعمق، وتكمن العوامل الرئيسة في جعل التعاملات المصرية قاسية وظالمة حيال السودانيين، في الراهن السياسي الإقليمي والدولي وتأثيرة النفسي على السلطة في مصر التي كانت تريد التخلص من مشكلاتها الداخلية وأزماتها على حساب المواقف السودانية ونقيضها،
> وتعاني السلطة القائمة في مصر من ظروف ضاغطة وأزمات مفتوحة على كل الاحتمالات مصحوبة بإخفاقات كبيرة في تنفيذ الكثير من الوعود والتعهدات، ووجدت القاهرة نفسها أمام مشكلات كبيرة أكبر من طاقة حكومتها وقدراتها على الاحتواء، خاصة في ظل تراجع مخيف للاقتصاد المصري وفقدانه مورد مهم يتمثل في عائدات السياحة، خاصة في أعقاب حادثة الطائرة الروسية وإرجاع الكثير من البلدان الأوروبية لرعاياها من السياح، بالإضافة للمشكلة العميقة في توقف نمو الاقتصاد وتدهور الخدمات في القطاعات الحيوية كالطاقة والكهرباء، وفقدان المواطن بشكل كبير الأمل في تحقيق المشروعات الجديدة مثل تفريعة قناة السويس لأية نجاحات تذكر.
> أما البيئة الدولية ورياحها غير المواتية في المساريين السياسي والاستثماري ثم الهواجس الأمنية وكلها ناتجة في الأساس عن المشكل الداخلي، تجعل من الصعب تلافيها والسلطة تبدو عاجزة وحائرة في التقدم أية خطوة للأمام لتقديم حلول موضوعية تتفادى تفاقم وتزايد حالة الانقسام في المجتمع وتضع حداً للقتل والسجون والمواجهات والإقصاء والاستهداف.
> غير أن ما يجري ضد السودانيين في مصر بمخالفته كل الأعراف المتعارف عليها في علاقة البلدين وميراثها الضخم، سيدفع بالعلاقة هذه الى هاوية سحيقة لن تفلح أية جهود أخرى في معالجة ما يترتب عليها وينتج عنها. وعما قريب في حال استمرت الإجراءات والمضايقات والتنكيل بالسودانين، ستفقد مصر حب السودانيين لها وستحل مشاعر الكراهية وسوء الظن والنية مكان أي شعور إيجابي آخر، وهذا أخطر ما في هذه التوقعات بشأن العلاقة المأزومة أصلاً، وهي تمشي على بيدر قاحل ممتلئ بالأشواك. فقضية الاحتلال المصري لحلايب ونتوء حلفا وشريط حدودي بعمق أربعين كيلومتراً داخل مناطق حلفا عند معبر أشكيت وأماكن أخرى، تتعاظم كإشكالات كبرى في الذاكرة السودانية وحاضرة كذلك في الوجدان الوطني، لا يمكن تجاوزها أو نسيانها على الإطلاق.
> ولا يمكننا في هذا الصدد على الإطلاق تفهم ما تقوم به الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية ضد السودانيين، ومن خلفها العقل السياسي المصري الذي يوجه ويقود الدولة المصرية اليوم. فسلوك الدولة المصرية الناتج عن أزماتها يصب جام غضبه على السودانيين، لا شيء سوى أن قواعد اللعبة الإقليمية الدولية لن تعد متوافرة في طوع البنان المصري كما كانت، وليس للسودان أو السودانيين أي دور في انحسار الدور المصري وتوالي نهوض الشكوك حول جدية السلطة القائمة بالقاهرة في الإمساك بتلابيب القضايا والملفات الخاصة بها وبأمنها القومي خاصة ملف المياه والعلاقة مع دول حوض النيل وملف علاقاتها مع دول الخليج، ثم العلاقة مع العالم.
> منطق السودانيين البسيط، وجد السودانيون أنفسهم هم (الحيطة القصيرة) لتفريغ شحنة توتر الغضب، وهم الذين يدفعون لخزينة الاقتصاد المصري أكثر من خمسمائة مليون دولار في مصاريف العلاج سنوياً ونصف هذا المبلغ في الزيارات العادية، دعك عن التجارة والاستثمارات وشراء الشقق والسياحة وغيرها.
> تحتاج العلاقة مع مصر إلى وضع ميزان جديد لها يعيد إليها الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة والمصالح المرسلة والمصير الواحد، فهي علاقة لا تقبل الطيش السياسي ولا التهور والاندفاع الذي تمارسة السلطات المصرية.