الطيب مصطفى

بين أخطار الهجرة وغفلة الدولة (2)


نُشر هذا المقال الأسبو ع الماضي، ولأهمية الموضوع، ولقلة المطبوع من الصحيفة وعدم وصولها للولايات في ذلك اليوم نُعيد نشر المقال.
إذا كنا قد حذَّرنا في المقال السابق من الأخطار الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الهجرة بعد أن أشرنا إلى صرخة خبير الاستراتيجية د. محمد حسين أبو صالح وهو يحذّر من ذهاب ريحنا وضياع هويتنا الوطنية إذا لم نكبح ونحُد من الهجرة الأجنبية المتزايدة خاصة من إثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 90 مليوناً (ثلاثة أضعاف سكان السودان تقريباً) فإن الأمر يستحق أن نذرف فيه المزيد من المداد وذلك ما دعاني لأن أواصل التنبيه والتحذير وسكب العبرات والزفرات.
قلنا إن وزير صحة الخرطوم د. مامون حميدة قد صرح بأن السودان، رغم بؤس اقتصاده – وهذه مني أنا، يخسر في العام (87) مليار جنيه في علاج الأجانب، وبالرغم من ذلك قال مفوض العون الإنساني بولاية النيل الأبيض، ربما متباهياً! إنهم (فرغوا من حصر (91) ألف وافد جنوبي تمهيداً لتمليكهم بطاقات قومية لتسهيل معاملتهم كمواطنين)!.. قال الرجل ذلك بملء فيه (وكأننا ناقصين)!
في أمريكا والدول الأوربية يغدقون على العقول التي صنعت حضارتهم وتطورهم ونهضتهم، وذلك ما يسمى بنزيف العقول (brain drain) حيث تتنافس الدول وتبرع في استقطاب العقول التي يمكن أن تسهم في استمرار تفوقهم العلمي والاقتصادي، أما نحن فيتبرع ولاة أمورنا، وبدون استشارتنا، بالجنسية السودانية لكل من هبّ ودبّ بل لمن اختاروا جنسية أخرى بعد أن غادرونا، مباغضين، بمحض إرادتهم في استفتاء أجمعوا فيه على الانفصال بعد حرب شنوها علينا قبل أن يخرج المستعمر الإنجليزي من السودان وقبل أن ننال استقلالنا!
ما هي الأسس التي بني عليها القرار؟ لا أحد يدري.. هل سيزيدنا منح جنسيتنا لأولئك القوم أم ينقصنا، بمعنى هل نفيد منهم أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً وننعم بما تنعم به الدول المتقدمة مثلاً وهي تسعى لاجتذاب العقول أو رجالات الاقتصاد والثروة والاستثمار أم إننا نخسر في أمننا واقتصادنا وصحتنا وفي كل شيء وسنزيد من العبء على اقتصادنا المنهك؟!
أين يا ترى نوقش هذا الأمر قبل أن يقرر بشأنه؟ هل تمت مناقشته في برلمان (الشعب) الغائب والمغيّب عن كل شيء ذي بال؟
مما فرى كبدي وفقع مرارتي أن السودان وقَّع مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لاستخراج وثائق ثبوتية لنصف مليون جنوبي للدخول والعمل والإقامة، ومعلوم أن أولاد نبفاشا – سامحهم الله – كانوا قد وقعوا اتفاقية مع حكومة جنوب السودان سمّوها باتفاقية الحريات الأربع والتي تجعل الجنوبي يتمتع بكل ما يتمتع به المواطن السوداني؟! لماذا تلك الاتفاقية مع دولة الجنوب وقد ركل أبناؤها السودان بأقدامهم، وقال باقانهم (رفيق عرمان) وهو يغادر بلادنا بعد الانفصال (ارتحنا من وسخ الخرطوم)؟! لماذا يحدث ذلك؟ لا أحد يعلم حتى الآن فمن سوء حظ دولتنا المستباحة وحظنا (المهبب) أن يتصرف فيها بعض بنيها وكأن أرضها وثرواتها مملوكة لهم بشهادة بحث.. لا أحد يشاور أو يستشير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من تلقاء الشرق يشكو والي القضارف ميرغني صالح من تمدُّد الأثيوبيين في مليون فدان من أراضي الفشقة ذات الخصوبة العالية، بل ويفقد عشرات من السودانيين أرواحهم في مواجهات مع عصابات الشفتة الأثيوبية!
الانتخابات المصرية تجرى في حلايب العزيزة ونحن صامتون إلا من تصريحات خجلى.. حتى بعد أن أخرجت بريطانيا الوثائق والخريطة التي تُثبت سودانية حلايب لا نزال مترددين في الدفع بالأمر إلى الجهات العدلية الدولية!
لا أدعو إلى حرب على مصر أو أثيوبيا لكني أدعو إلى عدم المجاملة فالجرأة الباطلة التي تجعل السيسي يجري انتخابات في أرض يعلم أنها ليست مصرية ينبغي أن تجعلنا أكثر جرأة في المطالبة بحقنا الثابت لدى محاكم التحكيم الدولية.
قرأت أن وزير الخارجية د. إبراهيم غندور صرّح بأن الحدود مع أثيوبيا ستُرسم خلال العام القادم (2016)، وأرجو أن نرى خطوات عملية عاجلة في هذا الاتجاه لأننا سنكون بالمرصاد وسنتابع إن شاء الله.
إن قضية الهجرة الأجنبية ينبغي أن تحظى بالاهتمام اللازم من قبل الحكومة والبرلمان ومن الصحافة، فهي من القضايا ذات التأثير الهائل على كل أوجه الحياة بل وعلى السودان هوية ووجودًا وعلى الدولة أن تنشئ آلية مركزية للتعامل مع هذه القضية التي ينبغي أن تتولاها الدولة على مستوى رئاسة الجمهورية باعتبارها قضية سيادية.


تعليق واحد

  1. العلاقة بيننا وبين جنوب السودان لا يعتد عليها بما قاله باقان اوبين ذبحك للتور