منى ابوزيد

الحاج عثمان يختار ..!


العنف هو آخر خيار في المنافسة..
إسحق عظيموف..!
شيء ما في صدر الحاج عثمان ارتفع منسوبه إلى حافة الانفعال عندما رأى المتقدمة لوظيفة السكرتيرة الجديدة وهي تخطو إلى داخل المكتب بثقة كبيرة كان السبب فيها جمالها الواضح!.. نسى حاج عثمان مسألة الكفاءة التي كان يشدد عليها في محادثته الهاتفية – مع صديقه – قبل وصولها بدقائق وأمر بتعيينها على الفور.. ولئن سألت عن الذي حدث بعد ذلك فهو ما كان متوقعاً بحسابات المنطق، ومستحيلاً بحسابات الحاجة صفية التي أخطأت لأول مرة في حياتها الحافلة بالأرقام والحسابات ..!
وقع الحاج عثمان في غرام السكرتيرة الجديدة، ولأنه رجل تقي حج إلى بيت الله الحرام عدة مرات ويعرف الحلال ويخشى الوقوع في الحرام فقد بادر بعرض الزواج على سكرتيرته الشابة على الفور، شريطة أن يظل زواجهما سراً إلى أن يقوم هو بـترتيب أموره وإبلاغ زوجته وأولاده ..!
كان الحاج عثمان يعرف مدى تعلق أبنائه بوالدتهم كعادة أبناء الأسر السودانية المغتربة، كما كان يعلم بمقدرتها الفذة على التأثير عليهم، لذا فقد كان خائفاً جداً من خسارة أولاده بسبب هذا الزواج، لكنه أقدم عليه وهو يدعو الله أن لا تتحقق مخاوفه ..!
وعلى الرغم من كل الحيطة والحذر علمت الحاجة صفية من مصدر مسؤول بأمر زواج زوجها من أخرى، فاتصلت بأبنائها الثلاثة الذين قدموا لتخليص أمهم من براثن الحزب الجديد الذي كونه والدهم مع الزوجة الشابة.. في ذلك اليوم طالبت الحاجة صفية زوجها بالحضور وهي تخاطبه بلهجة تنذر بالوعيد ..!
كان الحاج عثمان يعلم ما ينتظره في منزل الأسرة، لكنه في محاولة أخيرة لرأب الصدع اصطحب معه الزوجة الشابة ليتعرف الأولاد عليها ويتأكدون بأنفسهم كم هي طيبة ومسكينة وكدا ..! .. وكيف أن تلك القطة المغمضة التي تمعن في تدليله وتجديد شبابه لن تتسبب لهم في أي مشكلات من أي نوع ..!
لكن الأمر الذي لم يكن ضمن حسابات الحاج عثمان هو أن يقطع عليه أبناؤه الطريق على هذا النحو المفاجئ والقاسي .. تم عقد الاجتماع العائلي في إحدى غرف الطابق الأرضي بالمنزل، وكان أثاث الغرفة يتكون سريرين كبيرين وطاولة قهوة في المنتصف وشاشة تلفزيون كبيرة .. جلس الحاج عثمان مطرقاً على أحد السريرين بجانب زوجته الجديدة بينما جلست الحاجة صفية يحيط بها أبناؤها الثلاثة على السرير الآخر ..!
وعلى طريقة الخواجات قطع مجدي الابن الأكبر الطريق على والده وهو يطلب منه أن يختار بين أسرته المكونة من زوجته الحاجة صفية وأبنائه الثلاثة وبين الزوجة الجديدة! ..الأمر الذي يعني تهديداً بمقاطعتهم إياه في حال إصراره على الاستمرار في هذا الزواج.. وعندما تظاهر الحاج عثمان بعدم الفهم ليكسب مزيداً من الوقت وهو يقول في خفوت:
– يعني شنو.. تتخذوا موقف منِّي كيف يعني.. ؟!
قال مجدي أكبر أبنائه بلهجة حاسمة وهو يشير بيده نحو السريرين :
– يعني واحد من اتنين.. يا إما تختار السرير دا وأشار بيده إلى السرير الذي كانوا يتكدسون فيه حول أمهم .. يا إما تختار السرير داك وأشار بيده إلى السرير الآخر الذي كان والدهم يجلس عليه بجانب زوجته الشابة ..!
– أها يا بابا.. ح تختار ياتو سرير..؟!
أصيب الحاج عثمان بهلع بالغ وهو يرى قطاف غرسه الطويل يضيع من بين يديه في لحظة طيش حلم فيها أن يجدد شبابه مع زوجة صغيرة، فما كان منه إلا أن أشار بكلتا يديه إلى السرير الذي كان يجلس عليه أبناؤه الثلاثة حول أمهم – التي كانت ترمقه في شماتة ظاهرة – وهو يقول في لهجة خانعة أطارت صواب زوجته الجديدة:
– اختار كم انتوا .. اختار السرير داك! ..!