الطيب مصطفى

مصر: عندما تشن الحرب على نفسها!


قطعت جهيزة قول كل خطيب، فقد ثبت الآن صحة الحديث المتواتر عن إساءة معاملة الجالية السودانية في مصر، بل ثبت أن السودانيين دون غيرهم من شعوب العالم يتعرضون لمعاملة قاسية من قبل الشرطة والسلطات المختصة في مصر ربما لم يتعرضوا لها في أي وقت من الأوقات في سابق الأيام والسنين والقرون.
أصدقكم القول إنني ما كنت أرغب في الكتابة مرة أخرى حول أحوال الجالية السودانية في مصر لولا تلك الإفادة القيمة التي أدلى بها أمين عام الجالية السودانية الأستاذ إبراهيم عز الدين لبرنامج حتى تكتمل الصورة بقناة النيل الأزرق والذي يقدمه الأستاذ الطاهر حسن التوم، فقد وضع الرجل النقاط فوق الحروف وأنهى الجدل وأسكت كل من تصدوا لتكذيب الروايات المتعددة حول إساءة معاملة السودانيين بمصر.
كان الرجل شجاعاً وهو يكشف أن الشرطة المصرية تداهم الشقق التي يقيم فيها السودانيون بل وتقبض على الأفراد حتى في المقاهي وحكى عن حبس أحدهم كان يحمل مائتي دولار وعن آخر مكث أسبوعاً في المعتقل بتهمة أنه كان يحمل ستمائة دولار ولم يطلق سراحه إلا بعد زيارة وتدخل القنصل العام في سفارة السودان بالقاهرة ولا تزال أموال الرجل التي كان يحملها لعلاج والدته المريضة مصادرة!
أكثر ما يؤلم أن تلك المداهمات والمطاردات – ويا للعجب – لا تطول، حسب تأكيد إبراهيم عز الدين، غير السودانيين!
قبل أن أتعرض لما ينبغي فعله أود أن أبدي حزني الشديد ليس للظلم الذي لحق ولا يزال بالسودانيين فذلك ما لا يحتاج لحديث لكني حزين والله أن يبلغ البؤس والتردي بمصر في عهد رئيسها الحالي هذه الدرجة من الانحطاط الذي جعلها تشن الحرب على نفسها في مختلف المجالات.
مصر التي فقدت من مورد السياحة دخلاً سنوياً يتجاوز (15) مليار دولار في العام جراء عجزها الأمني الذي تسبب قبل أيام في حادث الطائرة الروسية التي انفجرت في شرم الشيخ بفعل فاعل تخطى كل الضوابط الأمنية بيسر وسهولة هي التي تشن الحرب على مورد ضخم آخر يبلغ مئات الملايين من الدولارات ينفقه السودانيون في العلاج والتجارة والسياحة والأغرب أن ذلك فعل ترتكبه الدولة المصرية التي تتصرف كمن يفقأ عينه وينحر نفسه بنفسه.
مصر في عهدها البائس الجديد الذي يخبط كما العشواء ولا يدري ما يفعل تتجاهل منطق الجغرافيا التي جعلت مصر والسودان على مدار التاريخ أشبه ما تكونان بالتوأم السيامي الذي يعيش بقلب واحد ولو كان حاكمها الجهلول يعلم ما ظل يعنيه السودان لمصر منذ عهد الفراعنة لما أقدم على زرع الكراهية في نفس الشعب السوداني تجاه مصر التي لا ترتوي ولا تقتات إلا من شريان النيل المنطلق عبر السودان بل إن مصر التي يوشك تعداد شعبها أن يبلغ المائة مليون لن تجد امتدادًا طبيعياً يمكن أن يستضيف ويأوي شعبها عبر أي تخطيط استراتيجي قصير أو بعيد المدى غير السودان.
مصر اليوم تعاني وتحن حتى لتلك الأيام النحسات ولذلك البؤس الذي ثارت عليه أيام رئيسها الأسبق حسني مبارك فقد تردّت اقتصادياً الأمر الذي جعلها تقدم على اتخاذ ضوابط صارمة لأول مرة بشأن تداول الدولار المتصاعد سعره في السوق الأسود وتردت أمنياً وها هي سيناء تعاني من توغل داعش، أما القتل والسحل والتعذيب الذي طال الآلاف والسجون الممتلئة بعشرات الآلاف من الثائرين على النظام الانقلابي الطاغوتي فحدّث ولا حرج.
الحديث يطول عن المستنقع الذي ترزح فيه مصر الآن، ولذلك أرجع لأقول إن على الخارجية السودانية أن تستدعي أولاً السفير المصري بالخرطوم ولا تكتفي بتحرُّك سفيرنا الهمام عبد المحمود عبد الحليم ثم ينبغي أن تتبع ذلك بخطوات أخرى حتى تعلم مصر أن روحنا قد بلغت الحلقوم، ويجب أن يتحرَّك ملف حلايب فمصر السيسي ليست مصر مرسي وحلايب في أيام مرسي كانت منطقة تكامل، أما مع السيسي فإنها أرض سودانية طالما أن السيسي حكم بأنها أرض مصرية وأقام فيها انتخابات وقام بإجراءات بقصد تمصيرها.
أما الحريات الأربع فقد آن الأوان لتجميدها إلى أن تعود مصر إلى صوابها وإلى أمتها وتنتهي حالة الحيرة التي تعاني منها بزوال عهد هذا القزم الجاثم على صدرها.


تعليق واحد

  1. بطنا طمت من الحريات الاربعة دي….
    اصلآ مصر ما وقعتها ولا فكرت….
    نحن الموقعنها من جانب واحد ولو جمدتوها ولا سوحتوها ما فارقة معاهم.
    عوسوا عوسكم ساي..